حريات: في ظل اعتداءات المستوطنين، وغياب شبة تام للخدمات الأساسية
التهجير القسري مستمر بحق التجمعات البدوية والرعوية في الضفة الغربية
يواصل المستوطنون وبحماية ورعاية تامة من قبل جيش الاحتلال تصعيد اعتداءاتهم الممنهجة بحق السكان الفلسطينيين، وبخاصة في التجمعات البدوية والرعوية، حيث تأخذ هذه الاعتداءات أشكالاً عديدة أهمها منع المواطنين من الوصول إلى مناطق الرعي، ومصادر المياه، وقطع طرق الوصول من وإلى هذه التجمعات، ومنع توسعها، بالإضافة إلى قيام المستوطنين بسرقة المواشي و/أو تسميمها، وتخريب المزروعات والأدوات الزراعية.
وخلال جولة قام بها فريق قانوني من مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية “حريات”، شملت أكثر من (13) تجمعاً بدوياً ورعوياً في جنوب ووسط وشمال الضفة الغربية بما فيها منطقة الأغوار، لاحظ حجم الكارثة التي يعيشها سكان هذه التجمعات التي تقلص عدد أفراد بعضها إلى أكثر من (90%)، بسبب اعتداءات المستوطنين، وغياب شبه تام للخدمات الأساسية بما فيها خدمات الصحة والتعليم.
كما حصل فريق “حريات” على مجموعة من الإفادات لسكان هذه التجمعات تؤكد بأن استمرار هذه الوضع الكارثي سيؤدي حتماً إلى استكمال جريمة التهجير القسري التي تمارسها سلطات الاحتلال، من خلال المستوطنين، على هذه التجمعات التي تعتبر جزءاً أصيلاً من التنوع السكاني في فلسطين، وترتبط عضوياً وتاريخياً بمهنة الرعي والزراعة، ومنعها من ممارسة هذه المهنة يعني حرمانها من مصدر رزقها الوحيد، وهذا يقترب من إبادة جماعية صامتة بحق هذه التجمعات.
تؤكد إفادات المواطنين/ات في هذه التجمعات على أنهم يعيشون في حالة خوف دائم، ويتعرضون لكافة أشكال الاعتداءات من طرف المستوطنين وجيش الاحتلال، وأن الوضع المعيشي بعد السابع من أكتوبر 2023، أصبح أكثر صعوبة، وبخاصة منعهم من الوصول إلى مصادر المياه وأماكن الرعي، مما زاد من تكلفة تربية الماشية حيث يضطرون إلى شراء العلف والماء بأسعار مرتفعة، مما دفع العديد منهم إلى التخلي عن هذه المهنة والهجرة إلى مناطق حضرية قريبة.
كما أدت اعتداءات المستوطنين والحصار والحواجز الموجودة حول هذه التجمعات إلى صعوبة وصول المواطنين إلى الخدمات الطبية، بما فيها المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية ومراكز التطعيم لحديثي الولادة والأطفال، حيث يضطر المواطن للسفر لمسافات طويلة أو الانتظار لساعات للمرور عبر الحواجز للحصول على الخدمة الطبية. ويزداد الأمر سوءاً في حالات الطوارئ الطبية، وبخاصه حالات الولادة، وعادة ما تُسجل حالات ولادة أثناء النقل بواسطة تراكتورات أو مركبات شخصية.
وأيضاً فإن طريق الذهاب والعودة من وإلى المدارس في هذه التجمعات، بالنسبة للمعلمين/ت والطلاب/ات تُشكل مخاطرة كبيرة تتكرر بشكل يومي بسبب الحواجز العسكرية والاغلاقات والحصار، وما يرافق ذلك من هجمات واعتداءات يقوم بها المستوطنون وجيش الاحتلال، وبحسب الإفادات التي حصل عليها فريق “حريات” فإن العملية التعليمية في معظم هذه التجمعات تقترب إلى مستوى الصفر.
على ضوء ما سبق، فإن مركز “حريات” يرى بأن ما يجري الآن في الضفة الغربية المحتلة، من هجمات منًسقة على يد عصابات منظمة تابعة للحركات الاستيطانية بدعم وحماية من جيش الاحتلال، بالإضافة إلى مصادرة الأراضي وتوسيع لمستوطنات وبناء مستوطنات أخرى، وإغلاق طرق رئيسية وفرعية ووضع الحواجز الثابتة والمتنقلة، وسياسة الحصار الاستيطاني المُحكم والخانق من كل الجهات للمناطق الفلسطينية يأتي تجاوباً مع خطة “بتسلئيل سموتريتش” بالسيطرة الكاملة على الضفة الغربية المحتلة، والضم الفعلي لها.
ومن خلال متابعات مركز “حريات” وما تم تسجيله من مشاهدات وشهادات وإفادات تؤشر جميعها على أن ما تتعرض له التجمعات البدوية والرعوية في الضفة الغربية يصل إلى حد جريمة التهجير القسري والفصل العنصري، والإبادة الجماعية الصامتة بحق السكان الأصليين، فإن “حريات” يؤكد على ما يلي:
أولاً: ضرورة قيام أجهزة الأمم المتحدة ذات الاختصاص والصلة، وبشكل فوري وعاجل، بتحمل مسؤولياتها في حماية المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية، لأن مواصلة الصمت على ما يقوم به المستوطنون وجيش الاحتلال يشجعهم على الاستمرار في هجماتهم، وعلى الاستمرار بعملية التهجير القسري والفصل العنصري بحق المواطنين الفلسطينيين، وبخاصة في التجمعات البدوية والرعوية
ثانياً: ضرورة قيام الأمم المتحدة بتحميل “إسرائيل” المسؤولية الكاملة عن أفعال المستوطنين، التي تصل إلى حد جرائم الحرب، لدعمها وحمايتها لهم أثناء قيامهم بهذه الأفعال، إلى جانب قيامها بتدريب وتسليح هؤلاء المستوطنون.
ثالثاً: ضرورة أن تبادر الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 إلى تحمل مسؤولياتها القانونية طبقاً لأحكام المادة الأولى المشتركة من اتفاقيات جنيف من خلال عقد اجتماع طارئ لاتخاذ ما يلزم من تدابير فعّالة لوضع حد للوجود الاستيطاني واعتداءات المستوطنين المنظمة على المواطنين في الأرض الفلسطينية المحتلة.
رابعاً: ضرورة قيام المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقق في الجرائم التي يرتكبها المستوطنون بحماية جيش الاحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين، سعياً إلى تنفيذ سياسة التهجير القسري والفصل العنصري بحق أصحاب الأرض الأصليين.
خامساً: ضرورة عدم الاكتفاء باتخاذ خطوات محدودة وخجولة تجاه سياسة الاستيطان واعتداءات المستوطنين، بل على كافة دول العام اتخاذ إجراءات وتدابير رادعة وقادرة على اجبار “إسرائيل” على وقف جرائمها اليومية بحق الفلسطينيين، كخطوة أولى على طريق إنهاء وتفكيك سياسة الاستيطان باعتبارها مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان.
سادساً: أن تتحمل الحكومة الفلسطينية مسؤولياتها القانونية في حماية سكان التجمعات البدوية والرعوية، من أجل تثبيتهم في أرضهم، وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، وتوفير الخدمات الأساسية لهم، وبخاصة الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية
24/6/2024