حذر مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية “حريات” من خطورة القوانين العنصرية التي تسنها المؤسسة التشريعية لدولة الاحتلال الهادفة للنيل من مشروعية نضال الشعب الفلسطيني من خلال استهداف أسر الشهداء والجرحى والمعتقلين، واقدامها على إصدار قانون اقتطاع مخصصاتهم من عائدات الضرائب الفلسطينية، الأمر الذي يمكن اعتباره ذروة الانتهاكات التي ترتكبها سلطات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وحركته الأسيرة، بالنظر إلى تأثيره على حياة الأسرى داخل سجون الاحتلال وعلى أسرهم التي يعيلونها.
أكد حريات على المكانة القانونية والاعتبارية للأسرى باعتبارهم أسرى حرية ويمثلون شرعية نضال الشعب الفلسطيني للخلاص من الاحتلال، موضحاً أن هدف دفع مخصصات الأسرى داخل سجون الاحتلال هو ضمان العيش الكريم لعائلات أكثر من 6500 أسير، منهم المتزوجين المعيلون لأسرهم وعددهم 2030 أسيراً، وكذلك تغطية احتياجات الأسرى داخل سجون الاحتلال، من مواد غذائية وكنتين وملبس وحاجات المعيشة الأخرى.
ويقع على عاتق دولة الاحتلال مسؤولية توفيرها للمعتقلين بدون مقابل، إلا أن مصلحة السجون الإسرائيلية تعمل على بيعها للمعتقلين بأسعار مرتفعة جداً وفق التسعيرة الإسرائيلية بالنظر إلى الفرق الكبير بين معدل الحد الأدنى للأجور البالغ 1500 دولار بإسرائيل مقابل 400 دولار للفلسطينيين، بخرق واضح لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني وخصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
وأن دولة الاحتلال انضمت لاتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب بتاريخ 6/8/1951، وعند قيامها باحتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967 أصبح مركزها القانوني في الإقليم كسلطة احتلال، وما زالت تمارس هذه السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة بالرغم من نقل الصلاحيات ومسؤوليات معينة للسلطة الوطنية الفلسطينية فيما يتعلق ببعض أجزاء الأرض الفلسطينية، كما أنه ما زال بيد إسرائيل السيطرة الكاملة على الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، بناء عليه نذكر الحقائق التالية:
أولاً: عدم مشروعية القانون الهادف إلى إرغام السلطة الوطنية الفلسطينية على قطع مخصصات الأسرى، لأن دولة الاحتلال لم تحترم مسؤولياتها وواجباتها بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال، بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني وتحديداً اتفاقية جنيف الرابعة، حيث أن شرعية سياسات وقوانين وممارسات دولة إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني يجب أن تكون نابعة من احترام أحكام الاتفاقية.
ثانياً: نصت المادة (81) من اتفاقية جنيف الرابعة بشكل واضح على حقوق ذوي المعتقلين والمحتجزين بالرعاية لأهميته الإنسانية الكبيرة وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بقيام أحد أطراف النزاع باعتقال أشخاص محميين معيلين لأسرهم فالمادة وضعت الضمانات التي من شأنها تمتع المعتقلين بحياة كريمة داخل المعتقل من ناحية تأمين المأكل والملبس والكنتين والعلاج الطبي وغيرها من المستلزمات مجاناً والتي لا يجوز خصمها من مخصصات المعتقلين أو رواتبهم أو مستحقاتهم (ف1- 2)، كما أن النص عالج الآثار السلبية التي من شأنها أن تمس أسر المعتقلين بعد فقدها لمعيلها، ففقدان الأسرة لمعيلها يجعلها عرضة للعوز والفقر والجوع والمرض وصولاً إلى فقدان الحياة، لذا تتحمل الدولة الحاجزة للمعتقل مسؤولية النتائج السلبية التي تنعكس على أسرته من جراء فقدها لمعيليها، كما ذكرت (ف 3 من المادة) أنه “على الدولة الحاجزة أن تعول الأشخاص الذين يعولهم المعتقلون إذا لم تكن لديهم وسائل معيشية كافية أو كانوا غير قادرين على التكسب.
ثالثاً: عالجت الاتفاقية بنص المادة (39، ف 1) وضعية الأشخاص المحميين الذين يخضعون لتدابير المراقبة التي من شأنها أن تجعل الشخص غير قادر على إعالة نفسه، وبخاصة إذا كان هذا الشخص غير قادر على إيجاد عمل مكسب بشروط معقولة، وجب على طرف النزاع القائم بإجراءات المراقبة أن يتكفل باحتياجاته واحتياجات الأشخاص الذين يعولهم، ونصت الفقرة الثانية من المادة على حق الأشخاص المحميين في جميع الحالات أن يتلقوا الإعانات من بلدان منشئهم، أو من الدولة الحامية، أو من جمعيات الإغاثة.
رابعاً: يجب على دولة الاحتلال التكفل بنفقات إعالة عائلات المعتقلين لديها بدل اقتطاع قيمتها، وتسهيل تلقي المعتقلين الإعانات من دولتهم ومن جمعيات الإغاثة، إلا أن قانون اقتطاع رواتب الأسرى يهدف إلى الإمعان بعقوبة الأسرى من خلال التحريض عليهم وحرمان أهاليهم من مقومات الحياة الكريمة وتعريضهم للعوز الأمر الذي يعتبر مخالفة جسيمة للأحكام اتفاقية جنيف الرابعة وأبعادها الإنسانية.
خامساً: إن تحريض سلطات الاحتلال على الأسرى من الناحية القانونية يفتقر لمبدأ المشروعية، ويندرج في إطار الابتزاز السياسي للطرف الفلسطيني، وأن تصرفات دولة الاحتلال تهدف إلى إزالة الشرعية القانونية عن النضال الشعب الفلسطيني لاحقاق حقه في تقرير مصيره السياسي والخلاص من الاحتلال هذا الحق الذي كفله ميثاق الأمم المتحدة والشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
سادساً: قانون اقتطاع مخصصات الأسرى يندرج ضمن سياسة سلطات الاحتلال المستمرة باتخاذ مزيد من القوانين العنصرية بحق الشعب الفلسطيني وأسراه دون الالتفات إلى المعايير والضوابط القانونية التي تفرض عليها التزامات بموجب القانون الدولي الإنساني وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتحاول أن تفرض على العالم ومؤسساته الدولية واقعاً جديداً وتريد أن تعامل كونها صاحب الأرض الأصيل وأن لها حرية التصرف خارج نطاق المسائلة الدولية وكذلك التغاضي عن مركزها القانوني باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال.
وأخيراً دعا حريات الأمم المتحدة لإتخاذ إجراءات ملموسة لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وأسراه والعمل على مساءلة دولة الاحتلال على انتهاكاتها الدائمة بحق الشعب الفلسطيني والتي تمارس بشكل ممنهج من أعلى مستويات دولة الاحتلال السياسية والتشريعية والقضائية، وإرغامها على وقف هذه الانتهاكات وإنهاء الاحتلال عملاً بقواعد القانون الدولي.