في الوقت الذي يعيش فيه اللاجئون والمهجرون الفلسطينيون، الذين يشكلون 66% من الشعب الفلسطيني في العالم، ويلات اللجوء والتهجير، سواء في الشتات او في وطنهم التاريخي فلسطين للعام الثامن والستين، تستمر اسرائيل في خلق ظروف معيشية قهرية تؤدي الى تهجير المزيد من الفلسطينيين. وتتكرّس هذه النكبة المستمرة من خلال استمرار تنكر اسرائيل لحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم التي هُجّروا منها، وحرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير، وممارسة سياساتها التي تؤدي باضطراد الى تهجير الفلسطينيين قسريا. هذه السياسات، بما يشمل ارتكاب جرائم التهجير القسري للسكان وإبعادهم، تشكل خرقا جسيما للقانون الدولي، وتندرج ضمن إطار اوسع من سلسلة من الانتهاكات الاسرائيلية الواسعة لحقوق الانسان الفلسطيني على جانبي الخط الاخضر.
لا تزال اسرائيل مستمرة في سياسة التهجير القسري داخل شرق القدس المحتلة وما يُسمى بمناطق “ج” (والتي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية المحتلة)، وذلك من خلال مصادرة الاراضي و/أو منع استعمالها، وهدم المنازل، والحرمان من حقوق الاقامة والسكن، بالإضافة الى استمرار التوسع الاستيطاني. يضاف الى ذلك، ان السكان الفلسطينيين في تلك المناطق يعانون من تمييز عنصري ممنهج الى جانب العنف والاعتداءات التي يمارسها المستوطنون واجهزة الامن الاسرائيلية على حد سواء بحقهم؛ الامر الذي يؤدي الى نشوء بيئة قهرية قاسية لا تترك للفلسطينيين اي خيارات سوى الرحيل عن منازلهم ومجتمعاتهم.
أما في قطاع غزة، فيعيش سكان القطاع – الذين يشكل اللاجئون ما نسبته 80% منهم- أزمة انسانية كارثية جرّاء الحصار الاسرائيلي المستمر المفروض على القطاع، الامر الذي يحول دون الوفاء بالحاجة الماسة لإعادة إعمار الدمار الذي خلفته الحروب الاسرائيلية المتعاقبة على قطاع غزة. وعليه، فان عشرات آلاف الفلسطينيين لا يزالون مهجرين داخل القطاع حيث يعيشون ظروفا غير إنسانية دون اي افق لإنهاء معاناتهم.
ولا تقتصر المعاناة الكبيرة التي يعيشها الفلسطينيون على هؤلاء الذين لا يزالون يعيشون داخل فلسطين بحدودها الانتدابية، وانما تمتد لتشمل ما يزيد على 6.2 مليون فلسطيني يعيشون في دول الشتات (49% من الشعب الفلسطيني). وبالحديث عن مصير اللاجئين الفلسطينيين في سوريا على وجه التحديد، تؤكد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) ان ما يزيد على نصف مليون فلسطيني تأثر بشكل مباشر جراء العنف الناجم عن النزاع المسلح في سوريا. ان ما يزيد على 60% من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا قد تعرضوا الى تهجير ثانوي و/او متعدد سواء داخل حدود سوريا او الى خارجها. علاوة على ذلك، يتعرض اللاجئون الفارون من سوريا الذين اضطروا للبحث عن مكان آمن لهم ولعائلاتهم، الى الاعادة القسرية او الى المعاملة التمييزية من قبل دول اللجوء الثانية التي يتوجهون اليها.
في السياق ذاته، تفاقمت ازمة اللاجئين الفلسطينيين بفعل القصورات الهيكلية للأنظمة التي وُجدت اصلا لكي تقدم الحماية اللازمة للاجئين. لذلك، يعاني اللاجئون الفلسطينيون من الفجوة الهائلة في الحماية الواجبة لهم او من انعدامها؛ حيث ان اللاجئ الفلسطيني محروم من اطار وحقوق الحماية المنصوص عليها بموجب اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، وذلك بسبب التفسير الخاطئ للمادة (1/د) من قبل المحاكم المحلية للدول الاعضاء. يذكر أن هذا البند يمنح اللاجئين الفلسطينيين حق الحصول على الحماية الشاملة من قبل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في حال توقف الحماية او المساعدة الانسانية الواجب تقديمها لهم من الوكالات الدولية الاخرى التي انشئت لهذه الغاية (لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين والاونروا). ورغم توقف لجنة التوفيق الدولية عن العمل منذ مطلع الخمسينيات، ورغم قصور الاونروا ومحدودية ولايتها، الا ان اللاجئين تركوا بلا حماية قانونية بما يشمل السعي لإيجاد حلول دائمة لقضيتهم بموجب القانون الدولي، والقرارات ذات الصلة.
ان لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين (UNCCP)، التي تأسست بموجب قرار الجمعية العمومية 194 لعام 1948 بهدف
ايجاد حل دائم وعادل لمأساة اللاجئين الفلسطينيين، غير فاعلة منذ ما يزيد عن نصف
قرن من الزمن، الامر الذي يحرم اللاجئين الفلسطينيين من الاستفادة من وجود وكالة
دولية شُكلت اصلا من اجل توفير الحماية القانونية لهم. بالإضافة الى ذلك، فان
(الاونروا) والتي تم انشاؤها من اجل ان تقدم الحماية الانسانية/المساعدات للاجئين
الفلسطينيين في مناطق عملها الخمس، لم يعد بمقدورها سد الفجوة المزمنة في
ميزانيتها الناشئة عن قصور آليات التمويل وعدم وفاء الدول بالتزاماتها. كما ان
تفويض الاونروا الحالي يفتقر إلى ركن الحماية القانونية، او حتى للسعي الى وضع حد
لبقاء اللاجئين الفلسطينيين في المنافي طيلة هذه السنين. وبلا شك فإنه من المؤسف
انه في كثير من الاحيان استندت الدول والمحاكم المحلية في حرمان اللاجئين
الفلسطينيين من حماية المفوضية والاتفاقية الى تفسير سطحي مغلوط للمادة 1/د يفترض
ان الحماية تكون متوافرة في حال الاقامة في مناطق عمل الاونروا وتلقي بعض المعونات
الانسانية.
وعليه، فان معالجة مأساة اللاجئين الفلسطينيين هذه تقتضي التدخل الجدي على وجه السرعة، وضرورة تسليط الضوء على وجوب تطبيق حل دائم لمسألة اللاجئين الفلسطينيين وفقا للقانون الدولي، وخصوصا قرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، وقرار 237 الصادر عن مجلس الامن الدولي عام 1967. وغني عن القول بأنه لا يمكن تطبيق تلك القرارات الا من خلال وجود وكالة دولية فاعلة ومدعومة بإرادة سياسية بشكل كامل تكرَس عملها للسعي لإيجاد تلك الحلول المنشودة. لذلك، هناك حاجة ملحّة وواضحة امّا لإعادة إحياء لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين (UNCCP) وتفعيلها، أو لإدخال اللاجئين الفلسطينيين بشكل كامل تحت ولاية المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، او لتوسيع تفويض الاونروا جوهريا وجغرافيا، بالإضافة الى تطوير اسس وآليات تمويلها، وذلك من اجل ضمان تقديم حماية شاملة للاجئين الفلسطينيين. ان الفشل في اتخاذ الاجراءات آنفة الذكر، يشكل تكريسا للوضع الراهن حيث الحماية الدولية غائبة، واللاجئ الفلسطيني متروك لمواجهة مصيره المتخم بالمعاناة والمزيد من التهجير.
اننا في مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية نطالب بالتالي:
- على
المجتمع الدولي التحرك بكافة الوسائل من اجل ضمان امتثال اسرائيل للقانون الدولي
الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، بالإضافة الى مطالبتها بالكف فورا عن
ممارسة تلك السياسات والممارسات التي تنتهك حقوق السكان المحميين بموجب القانون
الدولي. كما اننا نذكّر المجتمع الدولي بأن التهجير القسري والإبعاد تعتبر جرائم
وتشكل خرقا جسيما للقانون الدولي الانساني. وعليه، على الدول الا تعترف بالوقائع
التي نتجت عن تلك الجرائم او التعامل معها كوقائع قانونية. ويترتب على هذا الامر؛
وجوب عدم تقديم اي مساعدات او مساهمات تؤدي الى تكريس تلك الوقائع على الارض. كما
ان على المجتمع الدولي الضغط على اسرائيل ومطالبتها بالوقف الفوري لتلك السياسات،
بالإضافة الى وجوب جبر الاضرار التي نجمت عنها، بما في ذلك فرض ضمانات لعدم تكرار
ممارستها.
- على
المجتمع الدولي، بما يشمل الدول والهيئات الاقليمية واية اطراف اخرى ذات علاقة، ان
تسعى جاهدةً من أجل ضمان وتوفير الحماية الدولية الشاملة للاجئين الفلسطينيين- بما
في ذلك ايجاد حلول دائمة وعادلة لمأساتهم وخصوصا لتمكين اللاجئين من ممارسة
حقهم في العودة وتمكين عموم الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير.
- على
الوكالات والهيئات الدولية بما فيها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين والمفوضية العليا
للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، استخدام كافة الوسائل المتاحة لسد الفجوة في
الحماية القانونية التي يعاني منها اللاجئون الفلسطينيون، بما يشمل الضغط من اجل
ايجاد تفسير ثابت ودقيق للمادة (1/د) من اتفاقية اللاجئين تتبناه وتطبقه المحاكم
المحلية/الوطنية للدول، بما يضمن عدم استثناء اللاجئين الفلسطينيين من نطاق حماية
المفوضية اسوة بغيرهم من لاجئي العالم.
- على
منظمة التحرير الفلسطينية ان تكثف جهودها من اجل الضغط على الدول والوكالات
الدولية من اجل الوقوف عند مسؤولياتهم؛ خصوصا فيما يتعلق بالتزاماتهم بعدم التمييز
ضد اللاجئين الفلسطينيين او اعادتهم الى بلدان اللجوء الفارين منها.