علاء البدارنه- أثار تزايد اعتقال الصحفيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بالآونة الأخيرة قلقاً كبيراً في أوساط المجتمع الفلسطيني وخصوصاً في الوسطين الصحفي والحقوقي، واعتبار ذلك انتهاكأ لحرية الرأي والتعبير، هذا بالاضافة لحجب بعض المواقع الالكترونية بالتزامن مع اصدار قانون الجرائم الالكترونية، وما تضمنه من نصوص اجمعت كافة المؤسسات الحقوقية على كونها تعطل ممارسة حرية الرأي والتعبير هذا الحق المكفول بموجب القانون الأساسي الفلسطيني بنص المادة 19، التي اقتبسها المشرع الفلسطيني رقماً ومضموناً من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للدلالة على نيته عند إقراره القانون الأساسي المعدل سنة 2003 ضمان تمتع المواطن الفلسطيني بهذا الحق بكل حرية.
انضمت دولة فلسطين للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 2014 دون إبداء أي تحفظ، هذا الانضمام الذي رتب على عاتقها اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الإدارية والتشريعية والقضائية وأهمها موائمة التشريعات الوطنية مع نصوصه، لضمان تمتع المواطن بالحقوق الواردة به، ومن ضمن هذه الحقوق حرية الرأي والتعبير التي وضعت التعليقات العامة المفسرة لنصوص العهد المعايير القانونية الدولية للتطبيق الخلاق لها.
نصت المادة (19) من العهد في الفقرة الأولى على حق “كل إنسان اعتناق الآراء دون مضايقة” وهذا الحق يشمل حق الفرد في تغير رأيه في أي وقت ولأي سبب يختاره بملء حريته ولا يجوز النيل من أي حق من حقوق الفرد على أساس آرائه الفعلية أو المفترضة أو المتصورة، وتخضع جميع أشكال التعبير عن الرأي للحماية بما في ذلك الآراء التي لها طابع سياسي أو علمي أو تاريخي أو أخلاقي أو ديني، وتشكل مضايقة شخص بسبب الآراء التي يعتنقها أو تخويفه أو وصمة بما في ذلك توقيفة أو احتجازه أو محاكمته أو سجنه انتهاكاً لأحكام هذه الفقرة من المادة.
كما نصت الفقرة الثانية على حق التعبير عن الآراء “لكل إنسان حق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى أخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها”، هذا الحق يشمل أيضاً الخطاب السياسي والتعليقات الذاتية وغيرها، والتعليق على الشؤون العامة واستطلاع الرأي، ومناقشة حالة حقوق الإنسان والصحافة والتعبير الثقافي والفني والتدريس والخطاب الديني، بالاضافة إلى تكنولوجيا تبادل المعلومات وثورة الاتصال عبر شبكات الانترنت التي ساعدت على إنشاء شبكة عالمية لتبادل الأفكار والآراء لا تعتمد على الوسطاء التقليدين للاعلام، لدرجة حولت العالم إلى قرية صغيرة لا يمكن وضع حدود بداخلها بمجال تبادل المعلومات.
أجازت الفقرة الثالثة والأخيرة من المادة وضع بعض القيود على حرية التعبير بشرط أن تكون محددة بنص قانوني وأن تكون ضرورية:- (أ) لاحترام حقوق الغير (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة، وذلك للحيلولة دون الاعتداء على الحقوق الأخرى التي يكفلها القانون، بشرط عدم تعريض هذا الحق للخطر، ولا يجوزمن الناحية التطبيقية أن تنقلب العلاقة بين الحق والقيد الوارد عليه ، وإذا حصل ذلك يعني أن الدولة غير راغبة باحترام حرية الرأي والتعبير وتعتبر أنها مخالفة لمعايير القانون الدولي لحقوق الإنسان التي بمجملها تركز على التوسع بالتمتع بالحقوق لا التضييق عليها.
من الالتزامات المترتبة على دولة فلسطين بموجب العهد واجب احترام حرية الرأي والتعبير في المجتمع، وتوفير كافة السبل التي من شأنها ضمان تمتع المواطن بهذا الحق كقاعدة عامة، والاستثناء يتمثل بفرض بعض القيود عليه، أيضاً تلتزم الدولة من الناحية التشريعية بتضمين قوانينها ذات العلاقة نصوص تذكر بها القيود الواردة على حرية الرأي والتعبير بشكل تفصيلي، مع ذكر الأفعال التي تندرج تحت كل عنوان منها على سبيل الحصر، لكي يعرف المواطن إلى أي درجة يمكن أن يمارس حريته بالرأي والتعبير دون أن يعتدي على حقوق أخرى ينص عليها القانون، الأمر الذي يمكنه من التمتع بممارسة هذا الحق دون خوف باعتبار أن الأصل العام الحرية والاستثناء التقييد، ودائماً يجب ان تخدم القيود حماية غرض مشروع لا يتعارض مع اهداف العهد ومقاصده.
كما تلتزم الجهات المكلفة بتطبيق القانون بإجراء فحص ثلاثي الأبعاد للوقائع التي تتعلق بتجاوز مفترض لحرية الرأي والتعبير، للتأكد من إعتباره أحد القيود الواردة على هذا الحق ، وهذا الفحص يجب أن يكون صارم وقائم على مايلي: أولاً وجود نص على القيد في القانون ، وثانياً: ضرورة القيد لحماية اغراض مشروعة لدرجة لا يمكن الاستغناء عنه في سياق نظام ديمقراطي ، وثالثاً: التناسب بين أولوية حماية الحق في التعبير وغرض التقييد المشروع ، وإجراء الفحص ثلاثي الابعاد من قبل الجهات المختصة ، يعني انها تعمل على حماية حرية الرأي والتعبير وتتعامل مع القيود الوارده عليها بحسن نية ويجنبها ممارسة التوقيف التعسفي والضرر بمصالح المواطن.
يتولى القضاء مهمة حماية حرية الرأي والتعبير وهو الجهة الوحيدة التي لها صلاحية تقرير أن فعلاً ما يعتبر مخالفاً لحرية الرأي والتعبير ويكون ذلك عندما يقررالقضاء أن الفعل المعروض عليه يعتبر من أحد القيود الواردة على حرية الرأي والتعبير ،بموجب نصوص القانون عندما يتعلق الامر باحترام حقوق ألآخرين أو بحماية الأمن القومي او الصحة العامة او النظام العام لكن فيما يتعلق بالاَداب العامة ونظراً لكون هذا المفهوم واسع وفضفاض فيجب أن يتم تفسيره من قبل القضاء وفق المعايير العالمية لحقوق الإنسان وليس وفق العادات والتقاليد السائدة في المجتمع التي تختلف من مكان إلى مكان داخل الاقليم الواحد.
بالنتيجة تلتزم الجهات المكلفة بتطبيق القانون وإنفاذه بضمان ممارسة المواطن لحقه بحرية الرأي والتعبير وفق المعاييرالقانونية الدولية لحقوق الإنسان القائمة على ما يلي:
- التركيز على التوسع في التمتع بأي من الحقوق الواردة في اتفاقيات حقوق الإنسان بأكبر قدر ممكن بشرط عدم المساس بأي حقٍ من الحقوق الأخرى.
- يجب أن تتضمن نصوص القانون ذكر القيود الواردة على حرية الرأي والتعبير على سبيل الحصر وبشكل واضح ومفصل لكي يتمكن المواطن من ممارسة حقه دون خوف ويجب ان تكون القيود مشروعة .
- إجراء فحص صارم ثلاثي الأبعاد للوقائع لمعرفة أن فعلاً ما يمكن أن يكون مخالف لحرية الرأي والتعبير ويمكن اعتباره من القيود الواردة عليها .
- القضاء هو الجهة الوحيدة التي لها صلاحية تقرير أن فعلاً ما يعتبر مخالف لحرية الرأي والتعبير، مع ضرورة أن يفسر القضاء القيود وفق المعايير العالمية لحقوق الإنسان.
أخيراً يجب أن تنظر الجهات المختصة إلى القيود الواردة على حرية الرأي والتعبير بشكل إيجابي، قائم على اعتبار أن الهدف من وجودها حماية حقوق أخرى يمكن أن تمس من جراء تجاوز حدود الحق، وباستخدام هذه الرؤية تحترم الدولة التزاماتها بموجب العهد، أما إذا اختارت الإدارة الاستغلال السلبي للقيود الواردة على هذا الحق، وعملت على تفسيرها وفق المعيار الشخصي، تكون قد ارتكبت مخالفة لالتزاماتها بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتعتبر دولة منتهكة لحرية الرأي والتعبير.