بقلم حلمي الأعرج
في ذروة الأحداث والنتائج الكارثية التي يسببها العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة وعلى مسمع ومرأى من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان العالمية ،والذي سبق له وأن مارس نفس السلوك الإجرامي في لبنان الشقيق في تموز 2006 وهو عمليا يماس سياساته الوحشية واللاإنسانية منذ فرض الحصار على قطاع غزة قبل أكثر من سنتين ، ومع تزايد أعداد الشهداء والجرحى والأسرى والمشردين والمنكوبين من السكان المدنيين والنساء والاطفال ، وبعد صدور القرار 1860 الضعيف لمجلس الأمن والإنحياز الأمريكي السافر وضعف دور الإتحاد الأوروبي لوقف ما يجري ، وفي ظل حالة الصمت العربي والدولي وعدم توصلنا نحن الفلسطينيون حتى الآن إلى صيغة وحدوية صلبة ومتماسكة تنهي خلافاتنا وإنقسامنا وتساعد في تشكيل جبهة وطنية موحدة يسند إليها إعداد برامج الصمود والتصدي لمواجهة العدوان وإفشال مخططاته .
في ذروة ذلك كله ، تعالت الأصوات من المؤسسات والشخصيات السياسية والتنظيمية والهيئات الحقوقية والقانونية المطالبة بتطبيق آليات القانون الدولي الإنساني وإتفاقية جريمة الإبادة والمعاقبة عليها ، وتنفيذ مباديء حقوق الإنسان وعلى وجه التحديد بنود إتفاقية جينيف الرابعة ، وقد لوحظ تزايد أعداد المطالبين بتقديم مرتكبي جرائم الحرب في قطاع غزة للمحكمة الدولية ، وفي ذات الوقت خرجت بعض المؤسسات الدولية عن صمتها وتعدت حدود الإنحياز الأمريكي لإسرائيل في حربها على الفلسطينيين كمنظمة الصليب الأحمر الدولي والمقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والمنسق العام لمنظمة الأنروا ومفوضة وكالة الغوث في الأاراضي الفلسطينية المحتلة ومنظمة العفو الدولية ومجلس الحقوقيين العرب ، وحتى الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون نفسه كل هؤلاء وغيرهم لم يرق لهم التمادي الإسرائيلي الصلف في تجاوز المواثيق والقوانين الدولية وقد إنتقل حراكها ليطال مواقف مؤسسات دولية لها تأثيرها الواضح في تغيير السياسات العامة ومنها منظمة هيومان رايتس التي نقلت ما يجري إلى قلب مجلس الشيوخ الأمريكي وفضحت السياسة الخارجية المنحازة تماما للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني .
اليوم ، وبعد سنين طوال من العذاب والقهر والقتل والتشريد والإعتقال والحصار بسبب الإحتلال الإسرائيلي القمعي والهمجي ، صرنا بحاجة ماسة لتطوير آليات حقوق الإنسان الدولية ، وبدأنا نبحث بجد ونشاط عن الخطط والطرق القانونية والدبلوماسية الكفيلة بتنفيذها وتطبيقها على العدوان وإلإنتهاكات الإسرائيلية الصارخة بحقنا ، وقد أدركنا أكثر من ذي قبل خطورة المعادلة الإسرائيلية في تبرير ما يجري في قطاع غزة وخلق الذرائع للتحايل على القانون الدولي الإنساني ، لا بل أن إسرائيل وعلى لسان العديد من قياداتها ( كأولمرت وليفني وباراك وأصوات اليمين المتطرف ) تمارس جرائمها ومجازرها بغطاء دولي غير مبرر وبحجة الدفاع عن النفس ومقاومة الإرهاب ومحاربة عمليات إطلاق الصواريخ .
وأمام تصاعد وتيرة الإعتداءات وتزايد أعداد الضحايا الأبرياء بشكل مقلق ومخيف ، بات ضروريا الإسراع في وضع إستراتيجية دبلوماسية ووطنية جدية تتكفل بتفعيل الجهود القانونية عربيا ودوليا بهدف وقف العدوان الدموي على جماهير شعبنا في قطاع غزة ، والمطالبة بإجراء محاكمة دولية لمرتكبي جرائم القتل والتشريد والإبادة ، وذلك من خلال خلق رؤية فلسطينية حقوقية وقانونية تستند إلى المواثيق والبروتوكولات الدولية لحقوق الإنسان ومدعومة بقرار سياسي فلسطيني عالي المستوى ، يتم من أجلها تكليف القدرات القانونية والكفاءات الفلسطينية والعربية الخبيرة في هذا المجال وتوفير الأدلة والوثائق اللازمة لها ، للتحرك الفوري والعاجل لرفع الشكاوي للأمم المتحدة ومدعي عام المحكمة الدولية .
ومن هنا أود التأكيد على ضرورة أن تكون القيادة الفلسطينية قادرة على تطوير الدبلوماسية القانونية الخارجية ، وبأمكانها إستغلال دور منظمة التحرير ومؤسساتها وسفاراتها في هذا المجال ، فالوضع الفلسطيني الحالي بلغ الذروة في خطورته وتراجعه وضعفه ، الأمر الذي يتطلب وجود وحدة وطنية عريضة تضع أمام عينيها أهدافا وطنية وسياسية محددة وواضحه وتنطلق من أجل تحقيقها ، ويجب أن لا تؤدي هذه الإستراتيجية إلى وقف إطلاق النار فقط ، بل يجب أن تتخطى ذلك إلى رفع الحصار وفتح المعابر وإنهاء الإنفصال بين شطري الوطن بالضفة والقطاع ، جنبا إلى جنب مع تمسكنا وتفعيل دبلوماسيتنا وإصرارنا على تطبيق مباديء العدالة الإنسانية التي يتغنى بها المجتمع الدولي وتقديم مرتكبي العدوان على قطاع غزة للمحكمة الدولية .
وختاما ، أود التأكيد على ما يلي :-
1- الإسراع في تكليف لجنة حقوقية من كافة المؤسسات والخبرات القانونية الفلسطينية والعربية ، لتقديم شكوى للمدعي العام في المحكمة الدولية حول جرائم القتل والإبادة في قطاع غزة .
2- تزويد اللجنة المكلفة بالوثائق والأدلة والشواهد والشكاوى الفردية لحالات القتل والجرح وهدم البيوت والتشريد والإعتقال .
3- تشكيل لوبي عربي ودولي ضاغط لإنشاء محكمة دولية مختصة بالعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة .
4- تنظيم الدبلوماسية الفلسطينية بمسارين أحدهما قانوني مختص بالعدالة وتحقيقها والآخر سياسي يسعى لتوحيد الصف الفلسطيني والإنطلاق الدبلوماسي لتحقيق الإستقلال والسيادة وإلإنسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية وفق إتفاقيات السلام .