بقلم حلمي الأعرج
على مدى أربعة عقود والشعب الفلسطيني يناضل للخلاص من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وفي خضم نضاله أفنى عشرات الآلاف من أبنائه وبناته زهرات شبابهم في السجون من أجل الحرية والاستقلال.
في سياق ذلك تشكلت نواة الحركة الأسيرة التي تعاظم حجمها ودورها النضالي باضطراد في الحركة الوطنية وكان لكادرها المجرب دوراً مميزاً في إغناء التجربة النضالية الفلسطينية ومدها بزخم التواصل والاستمرارية فظلّ عطاؤها متواصلاً دون توقف أو انقطاع في مراحل المد الجزر على حد سواء حيث استشهد من بين صفوفها داخل سجون الاحتلال 199 أسيراً واعتقل خلال مسيرة النضال الوطني الفلسطيني أكثر من ثلاثة أرباع مليون فلسطيني وزاد حجم الحركة الأسيرة خلال الانتفاضة المجيدة الأولى عن الثلاثين ألفاً في حين لا زال يقبع في السجون حوالي تسعة آلاف أسير وأسيرة بعضهم مضى على اعتقاله أكثر من ثلاثة عقود. هذه الملحمة البطولية التي سطرتها الحركة الأسيرة وشكلت رافعة للنضال الوطني الفلسطيني في مسيرته التحررية ضد الاحتلال لم يقابلها موقفاً عربياً ودولياً مسانداً لنضالاتها وتضحياتها أو معبراً عن تقديره واعتزازه وتفهمه لنضالها العادل من أجل تحسين شروط اعتقالها وانتزاع حريتها وبصفتها جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية المناضلة من أجل التحرر والاستقلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة.
بل إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة هي التي تمكنت من فرض رؤيتها على المجتمع الدولي في كيفية تعاطيه مع قضية الأسرى في سجونها. حيث سخرت ماكنته الإعلامية لتشويه صورة نضال الحركة أمام الرأي العام العالمي ووصمته بالإرهاب لشل قدرته على التدخل لإدانة الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية اليومية بحقهم أو مطالبة الحكومة الإسرائيلية بالإفراج عنهم والاعتراف بهم كأسرى حرب كونهم ينتمون إلى م.ت.ف المعترف بها دولياً وأممياً وحيث هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
كما عملت خلال الأربعين عاماً الماضية على تضييق الخناق على حياة الأسرى وتصنيفهم ضمن معايير عنصرية ظالمة حالت دون الإفراج عن المئات منهم بحجة أن أياديهم ملطخة بالدماء دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً بما في ذلك إرسال لجان تقصي حقائق تزور السجون الإسرائيلية وتطلع عن كثب على ما يجري بداخلها من انتهاكات فظة بحق الأسرى والأسيرات وذويهم، ونجحت في إبراز قضية الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط ومارست الضغط على غالبية حكومات العالم للتدخل من أجل إطلاق سراحه كما حالت دون اتخاذ هذه الحكومات لأي موقف يدين فرض الحصار الظالم ويمنع العدوان على قطاع غزة طالما بقي جلعاد في الأسر. وغيبت حقيقة وجود آلاف الأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية منهم الأطفال والنساء والمرضى وقدامى الأسرى وكبار السن.
إن إنصاف مناضلي الحركة الأسيرة بصفتهم طليعة الحركة الوطنية الفلسطينية أسوة بغيرهم من مناضلي الحرية كنلسون مانديلا ورفاقه ومناضلي ايرلندا الشمالية وغيرهم من الأسرى المناضلين الذين أسهموا في انتزاع حرية شعوبهم هو واجب وطني مقدس ومهمة ملحة من الدرجة الأولى ينبغي الشروع بها بكل قوتنا وعدالة قضيتنا ونضالنا الأمر الذي يتطلب ايلاء موضوع الإعلام الأهمية والجهد الذي يستحق لتغيير الصورة النمطية التي زرعها الاحتلال عن مناضلينا في أوساط الرأي العالمي، وهذا بحاجة لبلورة إستراتيجية وطنية فلسطينية موحدة من شأنها تفعيل الآليات والوسائل والخبرة المتراكمة لدينا لإيصال الحقيقة عن واقع أسرانا وظروفهم ومعاناتهم ومعاناة ذويهم للعالم من خلال توثيق ونشر وتعميم هذه المعاناة عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية وإبراز الصور الحية والإنسانية عن حياة قدامى الأسرى وعائلاتهم والمرضى ومعاناتهم وكذلك الأطفال والنساء والابتعاد عن التعامل مع هؤلاء الأسرى كأرقام.
إن وضع قضية الأسرى في المكان الذي تستحق بصفتها قضية سياسية ووطنية من الدرجة الأولى تحتاج إلى إحداث نقلة نوعية في الفهم والفعل والأداء، ولتضافر كل الجهود للوصول بها إلى المجتمع الدولي. والا سنبقى نخاطب أنفسنا كشعب وسيبقى الاحتلال متفوقاً علينا، يشوه صورة أسرانا ونضالهم رغم عدالة قضيتهم.
أربعون عاما مضت على شعبنا ومناضلينا في الأسر، وما زال الاحتلال يتحكم بمصيرهم ويمسك بزمام قضيتهم ويمنع المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان العالمية والأممية من التدخل لرفع الظلم عنهم وإدانة جرائم الاحتلال بحقهم بعد أن نجح في تشويه حقيقة مكانتهم وعدالة نضالهم عبر ماكنته الإعلامية الضخمة.
لقد حان وقت العمل لكسر الاحتكار الإسرائيلي لهذه القضية وإيصال الصورة الحقيقة عنهم كونهم مناضلين ومدافعين عن حقوق وتطلعات شعبهم التي كفلتها الشرعية الدولية. لما لذلك من أهمية في تصويب نظرة المجتمع الدولي للأسرى بكل ما يترتب على هذا التغيير من التزامات دولية تجاههم بما في ذلك المطالبة بإطلاق سراحهم بكونهم أسرى سياسيين.
إن إنجاز هذه المهمة يتطلب وضع خطة عمل مفصلة ملموسة وطموحة لها مرجعية عليا تتابع تنفيذها واستراتيجيه إعلامية موحدة تفعل كل عناصر القوة والخبرة التي تراكمت لدينا وتتخطى كل نقاط الضعف التي رافقت عملنا السابق وأغفلت أهمية العمل مع كل الجهات العربية والإقليمية والدولية والتأثير فيها. خطة تقوم على توزيع الأدوار والمسؤوليات وترتكز إلى توفير المعلومة الصحيحة وتعميمها على كل المستويات ضمن وتيرة دائمة ومنتظمة تسلح أصدقاء الشعب الفلسطيني بالحقيقة التي بدونها لن نحقق هدفنا المنشود وتتصدر م.ت.ف وممثليها والرئاسة والحكومة ووزارة الخارجية والممثليات والسفارات والجاليات الفلسطينية في العالم والاتحاد العام لطلبة فلسطين بفروعه المختلفة وهيئاته المتعددة في إطار دوره وعمله مع المجالس الطلابية في الجامعات وممثلي الحركة الطلابية والشبابية العالمية، المسؤولية في نقل رسالة الأسرى العادلة لكل أرجاء المعمورة.
كما أن لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني بعلاقتها مع المنتديات العالمية دورا في إسناد قضية الأسرى، وكذلك للمجلس التشريعي والوطني بعلاقاته مع البرلمانات الدولية خاصة البرلمان الأوروبي وكذلك نقابة المحامين بعلاقتها مع اتحاد المحامين العرب وخبراء القانون في العالم المناهضين للاحتلال واتحاد نقابات الجامعات بعلاقته مع مختلف الجامعات في العالم، دورا مهما في نقل رسالة الأسرى العادلة إلى كل أرجاء المعمورة. وللإعلاميين الفلسطينيين ووسائل الإعلام الفلسطينية ونقابة الصحفيين والفضائيات العربية العاملة في فلسطين الدور الأساسي في نصرة هذه القضية.
ويبقى للقرار السياسي أهمية خاصة في وضع قضية الأسرى في مكانها الصحيح من خلال طرحها في كافة المحافل الدولية والعربية خاصة الجامعة العربية وأمام الوفود والرؤساء الأجانب الذين يتم اللقاء بهم في فلسطين أو خارجها كما أن تشكيل وفود من أهالي الأسرى القدامى والمرضى والأطفال والأسيرات والإداريين تجوب العالم وفق خطة مدروسة وتلتقي بمختلف الفعاليات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان وأصدقاء ومناصري الشعب الفلسطيني سيكون له أكبر الأثر على نظرتهم لقضية الأسرى ودرجة تضامنهم معها مما سيسهم في فتح الأبواب الموصدة أمامنا، ويؤسس لإمكانية القيام بحملات دولية للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين لشرح معاناتهم والعمل على انتزاع حريتهم.