علاء البدارنه_صادقت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون التشريع، بتاريخ 11/6/2017، على مشروع قانون يتم بموجبه خصم الأموال التي تدفعها السلطة الفلسطينية كمخصصات للأسرى وعائلات الشهداء من أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة، وينص مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب “يش عتيد” اليعازر شتيرن” على تخويل السلطات الإسرائيلية الصلاحيات التي تمكنها تقليص واقتطاع مبالغ من الضرائب التي تنقلها للسلطة الفلسطينية لمنع نقلها لعائلات فلسطينيين متهمين بتنفيذ هجمات ضد إسرائيليين.
مشروعية القانون المقترح تتوقف على مدى احترام دولة إسرائيل لمسؤولياتها وواجباتها بوصفها السلطة القائمة باحتلال الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، التي ينظمها القانون الدولي الإنساني وتحديداً اتفاقية جنيف الرابعة، حيث أن شرعية سياسات وقوانين وممارسات دولة إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني المحتل يجب أن تكون نابعة من احترام أحكام الاتفاقية.
انضمت إسرائيل لاتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب بتاريخ 6/8/1951، وعند قيامها باحتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967 أصبح مركزها القانوني في الإقليم كسلطة احتلال، ومازالت تمارس هذه السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة بالرغم من نقل الصلاحيات ومسؤوليات معينة للسلطة الوطنية الفلسطينية فيما يتعلق ببعض أجزاء الأرض الفلسطينية، كما أنه مازال بيد إسرائيل السيطرة الكاملة على الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وبهذا الصدد قال المقرر الخاص لأمم المتحدة بشأن الأرض الفلسطينية المحتلة
ما يلي: تركت اتفاقيات أوسلو لإسرائيل السيطرة القانونية النهائية على جميع الأرض الفلسطينية المحتلة، وكون إسرائيل قد اختارت بوجه عام لأسباب سياسية أن تمارس هذه السيطرة في مناطق (أ) في الوقت الذي تتوفر لها بالتأكيد القدرة العسكرية على ممارستها، هو أمر لا يمكن أن يعفي إسرائيل من مسؤوليتها كدولة قائمة بالاحتلال. (ت.م.خ .2002)
تتكون الاتفاقية من (157) مادة تهدف إلى احترام الكرامة الإنسانية للأشخاص المدنيين الذي وجدوا أنفسهم تحت سيطرة قوة عسكرية أجنبية استولت على بلدهم وأصبح لها سيطرة فعلية على حياتهم اليومية في وقت الحرب أو النزاع المسلح ولا يهم كون هذا النزاع مستمر أو متقطع أو ينفجر بين الحين والأخر، العبرة في استمرار السيطرة الفعلية على الإقليم المحتل، كما أن طبيعة شكل القتال لا تؤثر على الحماية التي توفرها الاتفاقية للمدنيين التي تتعلق بتحييدهم من النزاع، بتوفير الأمن والأمان لهم وتوفير المؤن الغذائية والمساعدات الطبية والاغاثة السريعة والحفاظ على النظام القانوني المتعامل به قبل سيطرة قوة الاحتلال، ومسائل أخرى تتعلق بالاعتقال والاحتجاز وتنظيم حقوق المعتقلين وإجراءات المحاكمة وظروف الاحتجاز وكل ما يتعلق باحتياجات المدنيين الخاصة من الفئات الضعيفة كالنساء والأطفال وكبار السن.
كما أن الاتفاقية لم تغفل بنص المادة (81) بشكل واضح النص على حقوق ذوي المعتقلين والمحتجزين بالرعاية لأهميته الإنسانية الكبيرة وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بقيام أحد أطراف النزاع باعتقال أشخاص محميين معيلين لأسرهم، فالمادة وضعت الضمانات التي من شأنها تمتع المعتقلين بحياة كريمة داخل المعتقل من ناحية تأمين المأكل والملبس والكنتين والعلاج الطبي وغيرها من المستلزمات مجاناً والتي لا يجوز خصمها من مخصصات المعتقلين أو رواتبهم أو مستحقاتهم (ف1- 2)، كما أن النص عالج الآثار السلبية التي من شأنها أن تحصل على أسر المعتقلين بعد فقدها لمعيلها، ففقدان الأسرة لمعيلها يجعلها عرضة للجوع والمرض وصولاً إلى فقدان الحياة، لذا تتحمل الدولة الحاجزة للمعتقل مسؤولية النتائج السلبية التي تنعكس على أسرته من جراء فقدها لمعيليها، كما ذكرت (ف 3 من المادة) أنه “على الدولة الحاجزة أن تعول الأشخاص الذين يعولهم المعتقلون إذا لم تكن لديهم وسائل معيشية كافية أو كانوا غير قادرين على التكسب“.
بل أكثر من ذلك عالجت الاتفاقية بنص المادة (39، ف 1) وضعية الأشخاص المحميين الذين يخضعون لتدابير المراقبة التي من شأنها أن تجعل الشخص غير قادر على إعالة نفسه، وبخاصة إذا كان هذا الشخص غير قادر على إيجاد عمل مكسب بشروط معقولة، وجب على طرف النزاع القائم بإجراءات المراقبة أن يتكفل باحتياجاته واحتياجات الأشخاص الذين يعولهم، ونصت الفقرة الثانية من المادة على حق الأشخاص المحميين في جميع الحالات أن يتلقوا الإعانات من بلدان منشئهم، أو من الدولة الحامية، أو من جمعيات الإغاثة.
بناء علية نجد أن مشروع القانون يتعارض مع التزامات ومسؤولية إسرائيل بكونها السلطة القائمة بالاحتلال، ويجب عليها بموجب المواد (81-39) من الاتفاقية التكفل بنفقات إعالة عائلات المعتقلين لديها بدل التفكير باقتطاع قيمتها، وتسهيل تلقي المعتقلين الإعانات من دولتهم ومن جمعيات الإغاثة، إلا أن هذا المشروع يهدف إلى الإمعان بعقوبة الأسرى من خلال التحريض عليهم وحرمان أهاليهم من مقومات الحياة الكريمة وتعريضهم للعوز الأمر الذي يعتبر مخالفة جسيمة للأحكام الاتفاقية وأبعادها الإنسانية.
كذلك أن التحريض الإسرائيلي على الأسرى من الناحية القانونية يفتقر لمبدأ المشروعية، ويندرج في إطار الابتزاز السياسي للطرف الفلسطيني بفعل المتغيرات الإقليمية والدولية بشكل عام وقرارات الرئيس ترامب بشكل خاص، وعليه تسعى إسرائيل في هذه المرحلة إلى تشويه صورة النضال الوطني الفلسطيني وصورة الأسرى بشكل خاص باعتبارهم مقاتلين من أجل الحرية ووصمهم بالإرهاب، والمساس بمكانتهم الاعتبارية والقانونية التي تمثل شرعية النضال الفلسطيني ومقاومته، بشكل يتناقض مع القانون الدولي، أي أن الأمر لا يتعلق بحقوق مالية فقط إنما بالمكانة السياسية والنضالية لهؤلاء الأسرى، والشهداء ولمجمل النضال الوطني الفلسطيني وعدالته.
أخيراً يجب على المؤسسات الرسمية والحقوقية الفلسطينية أن توحد الخطاب الإعلامي والقانوني المدافع عن المكانة القانونية والاعتبارية لأسرى الحرية، واتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها إجبار دولة الاحتلال العدول عن هذا القانون وعدم الخضوع للابتزاز السياسي على حساب قضية الأسرى التي تمثل شرعية وجود الشخصية القانونية للشعب الفلسطيني ونضاله الوطني، ومطالبة الدول الأطراف السامية المتعاقدة لاتفاقيات جنيف بالضغط على دولة الاحتلال لتحمل مسؤولياتها الكاملة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، ووقف التحريض الذي تمارسه ضد الشعب الفلسطيني المحتل للتغطية على جريمة استمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية وعدم التزامها بقواعد القانون الدولي.
المحامي علاء البدارنه
المستشار القانوني لمركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية