عبر مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية “حريات” عن قلقه البالغ من التعديلات التي أقرها سيادة الرئيس محمود عباس، والمتعلقة بقانون المحكمة الدستورية رقم (3) لعام 2006، لما احتوته هذه التعديلات من مخاطر تهدد مبادئ دستورية نص عليها القانون الأساسي الفلسطيني، وجعلها للمحكمة الدستورية في حالة إنشاءها وفقاً لهذه التعديلات أداة طيعة في يد السلطة التنفيذية، وإسقاطها لحق المواطنين الدستوري بالتقاضي في حال انتهاك حقوقهم الدستورية.
إن مركز “حريات” ينظر بخطورة بالغة إلى إسقاط القرار بقانون للفقرة الأولى من المادة (27) والتي تنص على أن تولي المحكمة الدستورية الرقابة القضائية على الدستورية بطريقة الدعوى الأصلية المباشرة التي يقيمها الشخص المتضرر أمام المحكمة، واستعاضت عن ذلك بمنح هذا الحق لمفوض عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، مخالفة في ذلك إرادة المشرع الذي منح المواطنين حق إقامة الدعوة المباشرة، علماً بأن جميع القضايا التي نظرتها المحكمة العليا بصفتها المحكمة الدستورية منذ عام 2006 كانت مقدمة من قبل مواطنين، حتى تلك التي قدمتها أحزاب سياسية قدمت بصفة شخصية من أشخاص توافرت لديهم المصلحة بالطعن، ما يعني أن إقرار هذه التعديلات سيؤدي إلى شل قدرة المواطن على الدعوى المباشرة، وتحويل المحكمة الدستورية إلى محكمة غير فاعلة، وقضاة لا عمل لهم.
كما ينظر مركز “حريات” بخطورة بالغة إلى إسقاط التعديلات القانونية المقرة بمرسوم من الرئيس للفقرة (2) من المادة (5) لقانون المحكمة الدستورية والتي تلي الفقرة المتعلقة بالتشكيل الأول للمحكمة، وتنص على أن يعين رئيس وقضاة المحكمة بقرار من رئيس السلطة الوطنية بناء على تنسيب من الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا، واستبدال هذه الفقرة بالتعديل الوارد في المادة 14 من المرسوم، والتي تنص على “أن يقوم رئيس السلطة الوطنية كل أربع سنوات باستبدال ثلث أعضاء الهيئة العامة للمحكمة، بحيث لا تزيد عضوية أي منهم عن 12 سنة” ويرى في ذلك التعديل تحويلا للمحكمة الدستورية إلى أداة طيعة في يد رئيس السلطة التنفيذية، بحيث تمكنه من تشكيل المحكمة دون أي رقابة من السلطات الأخرى والمجتمع المدني، فالمادة المذكورة تعني أن الرئيس سيقوم بتغيير ثلاثة إلى أربعة قضاة على الأقل في كل دورة انتخابية، علماً بان هيئة المحكمة تتكون من سبعة قضاة، الأمر الذي يعني تمكين أي رئيس للسلطة التنفيذية من تحقيق أغلبية في هيئة المحكمة في كل دورة من الدورات، وأن على قضاة المحكمة أن يراعوا في كل قرار تتخذه المحكمة أن الرئيس يملك سلطة تغييرهم دون تحديد سقف زمني أدنى لمدة التغير بينما حدد التعديل سقفاً أعلى لبقاء القاضي وهو 12 سنة، الأمر يشكل إضافة لما ذكر مخالفة رئيسية للمادة 99 من القانون الأساسي والتي تنص على أن القضاة غير قابلين للعزل إلا بالأحوال التي ينص عليها قانون السلطة القضائية. وهذا ما نصت عليه المادة (12) من قانون المحكمة الدستورية حيث نصت على أن “تسري على أعضاء المحكمة (بما يتفق مع كيان هذه المحكمة واستقلالها) الأحكام المتعلقة برد القضاة وعدم قابليتهم للعزل وواجباتهم واستقلاليتهم وإجازاتهم وإعارتهم المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية”، وبذلك يكون التعديل المذكور قد خالف القانون الأساسي الذي ضمن عدم قابلية القضاة للعزل من جهة وتناقض من جهة أخرى مع المادة (12) من القانون الأصلي”قانون المحكمة الدستورية”، حيث لم يرد في مرسوم التعديلات ما يشير إلى إلغاء أو تعديل المادة (12) المذكورة، وهذا يشير إلى حالة من عدم الانسجام التشريعي.
إن مركز “حريات” يرى بأن التعديلات التي وردت في المادة (3) من المرسوم والمتعلقة بالمادة (4) والتي نظمت شروط تعين قضاة المحكمة إنما تهدف إلى تفصيل القانون على مقاس أشخاص لتعيينهم في المحكمة، وهذا مخالف لقانون المحكمة، ويؤثر على نزاهتها، فالأصل أن يتم البحث عن أشخاص تنطبق عليهم شروط التعيين، وليس تعديل الشروط كي تنطبق على الأشخاص، حيث يفقد ذلك هذه المحكمة مصداقيتها ويحول دون قدرتها على القيام بالدور الذي أنشأت من أجله.
بناء على ما تقدم، وبالاستناد إلى تلك العيوب القانونية والمخالفات الواردة فيها للقانون الأساسي فإننا في مركز الدفاع عن الحريات، نطالب بما يلي:
- وقف نشر هذا القانون، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية الواجبة لإلغائه.
- تجميد أية إجراءات قانونية تتعلق بتشكيل المحكمة الدستورية قبل التوافق المجتمعي عليها.
- فتح حوار رسمي مجتمعي يشارك فيه السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني خاصة الحقوقية منها في الضفة الغربية وقطاع غزة لبحث ايجابيات وسلبيات خطوة الإقدام على تشكيل المحكمة الدستورية في ظل الانقسام السياسي ووجود الاحتلال.
- ضرورة امتناع دوائر صنع القرار ومستشاري الرئيس عن تقديم أية مشاريع قوانين، خاصة المتعلقة بالقضاء وترك هذا الأمر للجهة صاحبة الاختصاص الأصيل وهي المجلس التشريعي كون هذه التشريعات تتعلق بسلطة من سلطات الدولة الثلاث.
انتهى