قرار محكمة العدل الدولية كَسَرَ قاعدة "إسرائيل فوق مساءلة القانون الدولي" - مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية

قرار محكمة العدل الدولية كَسَرَ قاعدة “إسرائيل فوق مساءلة القانون الدولي”

168 Views

اعداد المحامي علاء البدارنة

المستشار القانوني لمركز الدفاع عن الحريات

قرار محكمة العدل الدولية كَسَرَ قاعدة “إسرائيل فوق مساءلة القانون الدولي”

رفعت دولة جنوب افريقيا بمفردها دعوى أمام محكمة العدل الدولية [1]وموضوعها ارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بالإستناد إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التي أقرت من قبل الأمم المتحدة  في عام 1948 كرد فعل غير مباشر على محاولة النظام النازي في المانيا قتل جميع اليهود في المحرقة (هولوكوست )، ومصطلح جريمة الإبادة هو كلمة مركبة من اللغة  اليونانية “genos” العرق، وكلمة “cide” التي تعني القتل، وصادق على هذه الاتفاقية 153 دولة  ودخلت حيز النفاذ عام 1951، حيث وقّعت إسرائيل عليها في 17 آب/ أغسطس 1949 وأودعت صك التصديق في التاسع من آذار/ مارس 1950، أودعت جنوب أفريقيا صك انضمامها للاتفاقية  في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1998.[2]

عرفت المادة الثانية من الاتفاقية[3] جريمة الإبادة حيث ” تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه: أ- قتل أعضاء من الجماعة ب- إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة ج- إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً د- فرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة هـ- نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.

أسندت جنوب افريقيا دعواها على المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي نصت ” تعرض على محكمة العدل الدولية، بناءً على طلب أي من الأطراف المتنازعة، النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية، بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسؤولية دولة ما عن إبادة جماعية أو عن أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة” ونصت المادة الثالثة من الاتفاقية على أنه يعاقب على الأفعال الاًتية : أ- الإبادة الجماعية ب- التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية ج- التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية د- محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية هـ- الاشتراك في الإبادة الجماعية.

قدمت جنوب افريقيا لائحة دعوى الى المحكمة تتكون من 84 صفحة غطت السياق التاريخي لوجود سلطات الاحتلال الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية قبل السابع من أكتوبر والجرائم التي ارتكبها قادة جيش الاحتلال وجنوده في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وأيضا تصريحات القادة السياسيين الإسرائيليين المحرضة على ارتكاب جريمة إبادة بحق الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، وكذلك الاثار المدمرة على حياة السكان المدنيين وعدد القتلى والجرحى الهائل ، وتدمير المستشفيات و المنشئات الطبية والبيوت والجامعات والمساجد  ونزوح غالبية سكان قطاع غزة والبالغ عددهم 2 مليون وثلاثمائة ألف نسمة، الأمر الذي خلق ظروف يستحيل معها الاستمرار بالعيش للسكان الفلسطينيين في القطاع [4].

طالبت جنوب افريقيا المحكمة في لائحة الدعوى باتخاذ تدابير مؤقتة بموجب المادة 41 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، التي نصت على ما يلي:” 1- يكون للمحكمة سلطة أن تبين إذا رأت أن الظروف تتطلب ذلك أي تدابير مؤقتة ينبغي اتخاذها للحفاظ على الحقوق الخاصة بأي من الطرفين2- ريثما يتم اتخاذ القرار النهائي، يجب على الفور إبلاغ الأطراف ومجلس الأمن بالتدابير المقترحة ” وقد طلبت جنوب افريقيا اتخاذ تسعة تدابير مؤقته من شانها وقف جريمة الإبادة الجماعية بشكل عاجل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة[5].

بتاريخ 10 و11 يناير 2024 سمعت المحكمة مرافعات دولة جنوب افريقيا التي عرضت الوقائع كما هي على ارض الواقع في قطاع غزة، وأوضحت ان إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني بحربها المستمرة على القطاع  بانتهاك واضح لالتزامات إسرائيل بموجب الاتفاقية، وذكرت جنوب افريقيا انها اخطرت إسرائيل مرتين بضرورة وقف انتهاكها لنصوص الاتفاقية الأولى  في شهر تشرين الثاني / نوفمبرأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والثانية من خلال إرسال رسالة الى السفارة الإسرائيلية في جوهانسبرغ ، وانكرت إسرائيل ارتكابها لجريمة الإبادة وادعت أنها تمارس حقها في الدفاع عن نفسها بموجب القانون الدولي [6].

أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها بتاريخ 26/يناير/ 2024، الذي  يتكون من شقين الأول يتعلق بالموافقة على نظر الدعوى المقدمة من جنوب  افريقيا والاستمرار بها، والشق الثاني قررت الموافقة على طلب التدابير المؤقتة بعد فحص الطلب وفق معيار يعتمد على أن هنالك حقوق للسكان المدنيين في قطاع غزة واقعه تحت ضرر جسيم لا يمكن إصلاحه من جراء استمرار الظروف الحالية في القطاع كما هي، واستندت في ذلك الى تقارير الأمين العام للام المتحدة ومنظماتها المتخصصة، لذا قررت اتخاذ تدابير مؤقته لحماية هذه الحقوق وقررت المحكمة ما يلي:

  • على اسرائيل، أن تلتزم باتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها وأن تتخذ جميع التدابير والإجراءات لمنع جميع الأفعال وفق نص المادة الثانية وهي: أ-قتل أعضاء من الجماعة ب-إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة ج-إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً د-فرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، هـ-نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.
  • على إسرائيل التأكيد على الفور من أن جيشها لا يرتكب أي أفعال موصوفه أعلاه في المادة الثانية.
  • على إسرائيل ان تتخذ جميع الإجراءات من أجل معاقبة التحريض المباشر والعام على جريمة الإبادة الجماعية ضد الجماعية السكانية في قطاع غزة
  • على دولة إسرائيل أن تتخذ فوراّ إجراءات من أجل ضمان توفير الاحتياجات الإنسانية والمساعدات الإنسانية والتعامل مع الوضع الإنساني المُلُح في قطاع غزة
  • على إسرائيل اتخاذ إجراءات فورية لمنع التدمير والحفاظ على الأدلة التي تؤكد ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بموجب المادة الثانية والثالثة.
  • على إسرائيل أن تقدم تقريرا إلى المحكمة حول تنفيذها لكل التدابير التي فرضتها المحكمة خلال شهر واحد من تاريخه.[7]

بالنظر الى لائحة الدعوى التي تعتبر وثيقة حقوقية توثق تاريخ وواقع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال منذ 75 عام و الانتهاكات الإسرائيلية المرتكبة بحقوقه حتى تاريخ 7/أكتوبر وبعده، والطلبات المؤقتة المقدمة من دولة جنوب افريقيا الى المحكمة بموجب المادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة، وصلاحية المحكمة بقبول كل الطلبات أو جزء منها بموجب المادة 87 فقرة 2 [8]من لائحة المحكمة، وبالتدقيق بقرار المحكمة الذي تضمن فرض (6) تدابير مؤقته على دولة إسرائيل والاستمرار في سير نظر الدعوى امام محكمة العدل الدولية، هذا القرار الذي يعتبر تاريخي وله اثاره إيجابية على قضية الشعب الفلسطيني المحتل، وذلك للأسباب التالية:

أولا: إن رفع دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية هو انتصار فلسطيني على صعيد مساءلة دولة الاحتلال التي تعودت أن تكون فوق إجراءات المساءلة التي يفرضها القانون الدولي وهذه المرة الأولى التي تخضع للمساءلة امام جهة قضائية دولية.

ثانيا: يعتبر رفع الدعوى من قبل جنوب افريقيا انتصار سياسي وحقوقي لها، حيث كانت إسرائيل الدولة الوحيدة التي لم تقاطع نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا حتى تاريخ سقوطه، وذلك بعد صدور قرارات الأمم المتحدة عام 1977 [9] التي تنص على مقاطعة نظام البيض العنصري الحاكم، وبهذا ينطبق على إسرائيل بخصومتها  الحالية مع جنوب افريقيا  أمام محكمة العدل الدولية قول المثل الشعبي “على الظالم تدور الدوائر”.

ثالثا: قرار المحكمة الاستمرار بنظر الدعوى انتصار فلسطيني أخلاقي على دولة الاحتلال التي دعمت صياغة اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها عام 1948، بهدف تخليد الهولوكوست التي تعرضوا لها في المانيا، ولأغراض الظهور بمظهر أخلاقي أمام المجتمع الدولي في حينه للتغطية على ارتكابهم العديد من المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين وتهجير حوالي مليون منهم بذات العام، وبالاستناد الى هذه الرمزية التاريخية يمكن القول أن رفع قضية بموضوع الإبادة ضد إسرائيل أعاد القضية الفلسطينية الى نقطة البدايات.

رابعا: لم ينص قرار التدابير المؤقتة بشكل مباشر على وقف الحرب الدائرة في قطاع غزة، لكنه نص على  ذلك بصورة ضمنية لأن التدابير الستة التي حكمت المحكمة بها لا يمكن تطبيقها بما ينسجم مع نص المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة إلا في حال تم تعليق الحرب الدائرة في قطاع غزة، هذا بالإضافة الى ابلاغ  مجلس الأمن لاتخاذ المقتضى القانوني لإلزام إسرائيل بتنفيذ قرار المحكمة  بموجب المادة 41 فقرة 2 التي نصت على أنه ريثما يتم اتخاذ القرار النهائي بالقضية، يجب على الفور إبلاغ الأطراف ومجلس الأمن بالتدابير المقترحة وبهذا الصدد دعت الجزائر الى اجتماع مجلس الامن يوم 31/ يناير الجاري لإصدار قرار من مجلس الامن بالخصوص [10].

خامسا: نصت التدابير المؤقتة على أنه يجب على إسرائيل وقف قتل المدنيين في قطاع غزة، ووقف الحاق الاذى الجسدي أو الروحي الخطير بحقهم، وكذلك وقف اخضاع الشعب الفلسطيني في غزة لظروف معيشية يراد منها تدميرهم كليا أو جزئيا، مثل استهداف المستشفيات وعدم توفير العلاج والدواء ووقف ملاحقة النازحين والسماح لهم بالعودة لبيوتهم، وكذلك وقف الخطر الداهم بحق النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة وتوفير الظروف المناسبة لاستمرارهم في العيش.

سادسا: جاء في نص التدبير المؤقت رقم (2) الذي اقرته المحكمة أنه يجب على إسرائيل التأكد على الفور ان جيشها لا يرتكب أي من الأفعال الموصوفة في المادة الثانية من الاتفاقية، وهذا الأمر من شأنه الحد من استهداف جيش الاحتلال الدائم للمدنيين بشكل مستمر منذ اليوم الأول للحرب على قطاع غزة.

سابعا: نصت التدابير المؤقتة على أنه يجب على إسرائيل منع التحريض المباشر او العام على ارتكاب جريمة الإبادة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومحاسبة المحرضين جزائيا سواء كانوا من الموظفين الرسمين من المستويين السياسي والعسكري، وذات الامر ينطبق على الجهات الأخرى المستوطنين أو المدنيين الإسرائيليين.

ثامنا: نصت التدابير على السماح بدخول المساعدات الإنسانية للمواطنين، في كافة الأماكن في الشمال وجنوب قطاع غزة وتوفير كافة الاحتياجات والتعامل مع الوضع الإنساني المُلح في قطاع غزة بصورة تغير الظروف الموجودة الأّن، وكذلك فتح المجال لخلق ظروف حياتية تمكن الشعب الفلسطيني من مواصلة العيش بظروف إنسانية.

تاسعا: ذكرت التدابير المؤقتة أنه على إسرائيل تقديم تقرير خلال شهر من تاريخه للمحكمة والى جنوب افريقيا ، وذلك عن تنفيذ الالتزامات الواردة في التدابير التي نص عليها  قرار المحكمة ،ولجنوب افريقيا الحق في وضع ملاحظاتها عن مدى تطبيق هذه التدابير في الواقع وتقديم هذه الملاحظات للمحكمة ،  وهذا الامر من شأنه أن يحشر إسرائيل في الزاوية بين خيارين الأول عدم الامتثال لقرار المحكمة وبالتالي عدم تنفيذ الالتزامات الواردة  به والثاني الامتثال  للقرار ومحاولة التحايل عليه مع أن هذه المسألة عالية الخطورة لان معطياتها ممكن أن تشكل مؤشرات ادانة لها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية التي تعي إسرائيل درجة خطورتها عليها من الناحية السياسية وعلى علاقاتها الدولية.

عاشرا: إن الاستمرار بنظر الدعوى من قبل المحكمة يعني إبقاء انتهاكات سلطات الاحتلال في فلسطين المحتلة تحت المجهر، وفي حال تم ادانة إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، فقرار الإدانة له اثار كببره أهمها التعويض المدني للضحايا وجبر الضرر الواقع عليهم، ورد الاعتبار للضحايا وتخليد ذكراهم، وتغير النظام المتسبب بهذه الجريمة داخل إسرائيل، بالإضافة الى فتح الطريق الاجباري نحو محاسبة المسؤولين السياسيين وقادة الجيش الإسرائيلي المسؤولين عن ارتكاب جريمة الإبادة امام المحكمة الجنائية الدولية.

أخيراً لا يفوتنا التأكيد على أن قرار المحكمة ملزم لكافة دول العالم أعضاء الأمم المتحدة، و سوف يكون له تأثير كبير على القوى المنحازة لصالح موقف دولة الاحتلال المبني دائما على  أساس عكس الحقائق والذي يعتمد على تناسي المركز القانوني لاستمرار وجودها  في الأراضي الفلسطينية بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال، لان اتهام دولة الاحتلال بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية من شأنه أن يعيد حسابات الدول في علاقتها مع إسرائيل ومنها المانيا التي أعلنت موقفها المساند لإسرائيل في المحكمة من ثم عادت وأعلنت انها تحترم  قرار المحكمة بعد صدور قرارها ، وبناء على كل ما ذكر يمكن القول ان قرار محكمة العدل الدولية  كَسَرَ قاعدة” إسرائيل فوق مساءلة القانون الدولي” .

28/1/2024

مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية

[1] – سجلت الدعوى في المحكمة بتاريخ 29/ ديسمبر، 2023.

[2] – المصدر لائحة الدعوى التي قدمتها جنوب افريقيا الى محكمة العدل الدولية بتاريخ 29/ديسمبر /2023

[3] – اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1948.

[4] – المصدر لائحة الدعوى التي قدمتها جنوب افريقيا لمحكمة العدل الدولية بتاريخ 29/ديسمبر / 2023

[5] – نفس المصدر السابق

– المرافعة الشفوية للفريق القانوني لجنوب افريقيا امام محكمة العدل الدولية يوم 10/يناير ،2024، قفرة 13 [6]

[7] – نص قرار محكمة العدل الدولية بشأن التدابير المؤقتة المعلن يوم 26/1/2024 الساعة 2 بتوقيت فلسطين.

[8] – ” تبين عريضة الدعوى القرار او الأجزاء القرار الذي اتخذته الهيئة الدولية المعنية وترفق بها صورة منه، وتضمن العريضة بعبارات دقيقة المسائل المثارة ضد هذا القرار او الأجزاء التي تشكل موضوع الخلاف المحال للمحكمة.”

[9] – قرار مجلس الامن 418 ، بشان حظر بيع الأسلحة لجنوب افريقيا والقرارات الأخرى

[10]https://www.wafa.ps/Pages/Details/88900 وكلة وفا 26/1/2024 نقلا عن الخارجية الجزائرية.

جوال

+970-599641992

شارك هذا الخبر