مقدمة
الأسير وليد دقة، هو كاتب ومفكر وسياسي فلسطيني، يبلغ من العمر 61 عامًا من مدينة باقة الغربية الفلسطينية، المحتلة قي العام 1948. أصيب بنوع نادر من سرطان النخاع العظمي في العام 2022 وهو حالياً في حالة صحية صعبة، وبحاجة إلى عناية طبية عاجلة. الأسير دقة هو واحد من 19 فلسطينيًا أمضوا أكثر من 30 عامًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وواحد من 23 فلسطينيًا معتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، حيث استثنيت هذه المجموعة من كافة الصفقات السياسية وصفقات التبادل، ونكث الاحتلال بالاتفاق مع السلطة الفلسطينية للإفراج عنهم ضمن الدفعة الرابعة لتبادل الأسرى في اذار عام 2014. وبحسب ما لمّح الأطباء، أن حالة وليد الصحية المتدهورة هي نتيجة للممارسة الممنهجة لمصلحة السجون الإسرائيلية في الإهمال الطبي المتعمد. وتحديداً بعد رفض نقل وليد بشكل عاجل إلى مستشفى مدني بعد إصابته بجلطة دموية، حيث جرى نقله لمشفى برزلاي بعد 11 يوم بناءً على توصية من طبيب سجن عسقلان.
خلفية حول القضية
بتاريخ 25/3/1986، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي وليد دقة، وحكمت عليه بالسجن المؤبد حددت لاحقاً بـ37 سنة. اعتُقل وليد بزعم مشاركته في المقاومة المسلحة ضد نظام الفصل العنصري الاستيطاني الإسرائيلي في عام 1985. واليوم، بعد 37 عامًا، لا يزال وليد معتقلاً في سجون الاحتلال، يكافح نوعاً نادراً من السرطان.
كان الأسير دقة قد تعرض لجملة من السّياسات التّنكيلية على خلفية إنتاجاته الفكرية والادبية، والتي ارتفعت وتيرتها بعد قدوم طفلته ميلاد، فواجه العزل الانفرادي، والنقل التعسفيّ المستمر، وصنف بعد اضافة حكم العامين على انه شديد الخطورة (سجاف)، وعانى إثر ذلك من إهمال طبي متعمّد، وتجاهُل إجراء الفحوصات والمتابعات الدورية له، كون الأسير المصنف شديد الخطورة يخضع لتعقيدات أمنية عالية.
في العام 2020، بدأت صحة وليد في التدهور، حيث عانى من مشاكل صحية مرتبطة بالدم. وعلى الرغم من أن طبيب السجن نصحه بإجراء فحوصات دم دورية، إلا أن مصلحة السجون رفضت متابعته طبياً ولم تقم بإجراء الفحوصات اللازمة. في 7 ديسمبر 2022، تم إدخال وليد إلى مشفى برزيلاي بعد تدهور صحته بشكل مفاجئ، ليتم تشخيص إصابته لاحقًا بسرطان الدم. وبعد إجراء فحوصات أخرى تبين أنه يعاني من نوع نادر من سرطان نخاع العظام، والذي يؤدي إلى تعطيل الإنتاج الطبيعي لخلايا الدم، مما يستدعي إجراء عملية زراعة لنخاع عظم بشكل عاجل.
في كانون الثاني (يناير) 2023، وبناءً على طلب مؤسسة أطباء لحقوق الإنسان، أجرى الدكتور “موشيه جات” وهو اختصاصي في أمراض الدم تقييماً لحالة وليد الصحية، ولاحظ أن وليد يعاني من عوامل خطورة على القلب والأوعية الدموية لكونه يعاني من ارتفاع ضغط الدم، وأصيب أيضاً بفقر دم حاد بعد تناوله دواء وقائي للعلاج الكيماوي. وتوصل الطبيب أن وليد في مرحلة خطيرة من السرطان، وأفاد أنه في حال عدم تلقيه العلاج الطبي المناسب والعاجل فإن معدل بقاءه على قيد الحياة يبلغ حوالي سنة ونصف.
كما أشار الطبيب أن الدواء الذي تم وصفه لوليد من قبل طبيب خاص تابع لمصلحة السجون الإسرائيلية، أضعف مناعته بشدة وزاد من خطر إصابته بالعدوى. كما أدى هذا الدواء إلى خفض تعداد الدم، مما أدى إلى تفاقم مرض السرطان.
بعد تشخيص الأطباء، تبين أن وليد بحاجة لعملية لزراعة نخاع العظم – وهي واحدة من أصعب وأخطر الإجراءات الطبية المعروفة. كما أوصى الطبيب بنقل وليد إلى بيئة نظيفة وصحية حيث يمكن التقليل من تعرضه للعدوى، وهذا الأمر غير ممكن في ظل الظروف الصحية والبيئية السيئة في سجون الاحتلال.
في شهر شباطـ 2023، أصيب وليد بجلطة أدت لانتفاخ رجله وسببت له الآمًا حادة في الجهة اليسرى من صدره، ورغم ذلك لم تقم إدارة سجن عسقلان بنقله على الفور للمستشفى وأبقت عليه لحين موعده مع طبيب الدم بعد نحو 10 أيام، علمًا أن عيادة السجن شخصت حالته الطبية حينها بالجلطة، أصيب بعدها دقة بجرح في لسانه سبب له نزيفًا حادًا ورغم هذا كله ماطلت إدارة السجن في علاجه مرة أخرى. وبحسب ملفه الطبي، فإن وليد فقد من وزنه نحو 10 كيلو في آخر شهر ونصف فقط، وبدأ وليد يعاني من التهاب رئوي حاد، وفي هذه المرة أيضًا تجاهلت إدارة السجن التدهور في صحته، ولم تخرجه إلى المستشفى رغم كل الأعراض التي بدت عليه إلا بعد زيارة المحامية والضغط من أجل إخراجه الى المستشفى.
ونتيجة للالتهاب الرئوي الحاد الذي أصابه، وفي تاريخ 12 نيسان 2023، خضع وليد لعملية استئصال لجزء كبير من رئته اليمنى. وبعد قضاء 37 يوماً في مستشفى “برزيلاي”، نقلته مصلحة السجون في 30 نيسان 2023 إلى عيادة سجن الرملة الذي لا تتوفر فيها أدنى بيئة لرعاية جراحته الحديثة، ولا لعلاج مرض السرطان النادر الذي يعاني منه، ولا لعملية زراعة النخاع بالغة الدقة رغم توفر المتبرعين. وبعد ثلاثة أيام، نقلته مصلحة السجون إلى مستشفى “أساف هاروفيه” في الرملة المحتلة، ثم إلى مستشفى “برزيلاي” في عسقلان المحتلة مساء يوم 4 أيار 2023 لغرض إجراء فحوصات طبية متعلقة بعملية الاستئصال، ومرضه بالسرطان الذي سبب له الهزال العام، وفقدان الوزن، وصعوبة النطق. وفي مساء يوم 7 أيار 2023، أعيد وليد إلى عيادة سجن الرملة، ولا يزال فيه حتى الآن ولديه، بالإضافة إلى ما سبق، صعوبة في التنفس، والتهابات في مكان العملية كمضاعفات لجراحة الاستئصال في رئته اليمنى، ويتلقى علاج بالمضادات الحيوية. كما يخضع وليد حالياً إلى سلسلة من العلاجات الطبيعية لاستعادة قدرته على السير وعلى الوقوف على قدميه مجدداً. وتُجرى له فحوصات الدم ووظائف الأعضاء دورياً، للتأكد من مؤشرات عدم انتشار مرض السرطان. كما لا يزال وليد يستعين بالأوكسجين للتنفس ويخضع أيضا لتمارين وعلاجات تنفسية من أجل أن يصل لمرحلة التنفس الذاتي المطلق، وللتخلص من الآلام الحادة التي تضطره لتناول المهدئات التي تؤثر على تنفسه وتسبب له الهزال. وفي الخلاصة، فإن كل هذه التعقيدات الصحية، التي رافقت وتلت عملية الاستئصال، بالإضافة إلى السرطان، تجعل وضع وليد الصحي خطراً وبالغ الحساسية والتركيب.
لا يمكن إنكار أن مصلحة السجون الإسرائيلية قد لعبت دورًا مباشرًا في الحالة التي تهدد حياة وليد. حيث لم تتابع مصلحة السجون إجراء فحوصات الدم الدورية له، والتي تم وصفها في وقت مبكر من عام 2018، وذلك كشكل من أشكال العقوبة على انتهاك بسيط تدعي سلطات الاحتلال أن وليد ارتكبه، وهو تهريب الهواتف المحمولة إلى زنزانته، والذي بناءً عليه تم إضافة عامين على حكم وليد، ولم يتم الإفراج عنه بعد انتهاء حكمه الأول، مما أدى إلى تفاقم وضعه الصحي بشكل كبير.
كما وحرمته سلطات مصلحة السجون من إجراء عملية زراعة نخاع العظم في الوقت المناسب وهي الحل العلاجي الوحيد الذي من الممكن أن ينقذ حياته بالرغم من توصية الأطباء الأخصائيين بذلك. وعلى الرغم من التوصية التي قدمها الطبيب الذي عاين حالته، استمرت سلطات الاحتلال برفض نقل وليد إلى مستشفى مدني وابقائه في بيئة صحية سيئة وخطيرة مما يجعل من هذا السلوك جريمة سوء معاملة ومعاملة لاإنسانية من خلال إهمال وليد طبياً كوسيلة للقتل البطيء.
الإهمال الطبي في سجون الاحتلال – سياسة تعسفية وغير قانونية
تستخدم سلطات الاحتلال سياسة الإهمال الطبي بحق الأسرى الفلسطينيين في محاولة لقتلهم قتل بطيء وإضعاف معنوياتهم. ففي كانون الأول 2022، استشهد الأسير ناصر أبو حميد (50 عاماً) في سجون الاحتلال بعد إصابته بمرض السرطان الذي انتشر في جسده بشكل سريع دون أن يتلقى العلاج الطبي المناسب. وعلى الرغم من الدعوات المتكررة من قبل المجتمع المدني الفلسطيني والمجتمع الدولي، رفضت سلطات الاحتلال الإفراج المبكر عن ناصر على الرغم من تأكيد وفاته المحققة، وبعد استشهاده، رفضت سلطات الاحتلال تسليم جثمانه لعائلته ليُدفن بكرامة، مما يعد شكلاً من أشكال العقاب النفسي الذي يستخدمه الاحتلال بحق عائلات الشهداء الفلسطينيين.
تواصل سلطات الاحتلال احتجاز جثامين 13 أسيرًا فلسطينيًا استشهدوا داخل سجون الاحتلال، وهم أنيس دولة الذي استشهد في العام 1980، وعزيز عويسات استشهد عام 2018، وفارس بارود، ونصار طقاطقة، وبسام السايح استشهدوا عام 2019، وسعدي الغرابلي وكمال أبو وعر استشهدوا عام 2020، وسامي العمور استشهد عام 2021، وداوود الزبيدي وناصر أبو حميد ومحمد تركمان استشهدوا عام 2022، ووديع أبو رموز وخضر عدنان استشهدوا عام 2023.
وبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين الذين استشهدوا داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967 (237) أسيرًا، منهم 75 أسيراً استشهدوا نتيجة للإهمال الطبي المتعمد. حيث تزداد هذه السياسة من خلال حرمان الأسرى الفلسطينيين من الرعابة الصحية التخصصية والفحوصات الدورية، إضافة إلى إساءة معاملة الأسرى المرضى من خلال تقييدهم بالأسرّة في المستشفيات، كما أن سياسة احتجاز جثامين الأسرى الشهداء في الثلاجات هو شكل إضافي من أشكال العقاب النفسي والعقاب الجماعي.
كما واستشهد عدد من الأسرى بعد أن تحرروا من الأسر، كحسين مسالمة، الذي استشهد بعد فترة قصيرة من إطلاق سراحه، وذلك نتيجة للأمراض التي ورثوها داخل سجون الاحتلال.
تستمر سلطات الاحتلال الإسرائيلي في انتهاكاتها الصارخة للأعراف والمواثيق الدولية التي تسعى إلى حماية الأسرى، وخاصة الأسرى المرضى، حيث تنتهك سلطات الاحتلال القانون الإنساني الدولي الذي يضمن توفير العناية والرعاية الطبية اللازمة للمرضى، كما أن سلطات الاحتلال تستخدم العقوبات الجماعية بحق الأسرى وعائلاتهم كأداة للقمع والسيطرة بحق الشعب الفلسطيني.
بناءً على ما سبق، وفي ظل التدهور الحاد والمستمر على صحة الأسير وليد دقة، والخطر الشديد الذي يهدد حياته، تطالب مؤسسات الأسرى بـ:
أولاً: مطالبة الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقيات جنيف بالضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي للإفراج الفوري عن الأسير وليد دقة وضمان حقه في الحياة والصحة والكرامة، والالتزام بمسؤولياتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ثانيًا: مطالبة الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقيات جنيف بالضغط على مصلحة السجون الإسرائيلية لتوفير العلاج الطبي الفوري والمناسب للأسير وليد دقة، من خلال أطباء متخصصين، في مشفى مدني، إضافة إلى ابقائه في بيئة صحية ونظيفة تمنع وصول العدوى.
ثالثا: الضغط على دولة الاحتلال للسماح لأسرة وليد (زوجته وابنته) بزيارته في السجن أو المشفى انطلاقاً من حقهم بالزيارة ومن التزام دولة الاحتلال بمسؤولياتها في هذا الجانب.
رابعاً: دعوة المجتمع الدولي والأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة للضغط على دولة الاحتلال لإنهاء سياسة الإهمال الطبي التي ترتكبها بحق الأسرى والأسيرات الفلسطينيين.