تابع مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية وشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية بقلق بالغ الإنذار الخطي الموجه من مدير عام المنظمات غير الحكومية في وزارة الداخلية إلى جمعية نادي القضاة بتاريخ 26/11/2017 بشأن تصويب وضعها القانوني، والذي جاء بناءً على شكوى مقدمة من رئيس مجلس القضاء الإعلى، وصلت نسخة منها إلى رئيس الوزراء وزير الداخلية، وتضمنت مراسلة صادرة عن رئيس التفتيش القضائي بتاريخ 1/11/2017 بشأن الدعوة الصادرة عن جمعية نادي القضاة بتعليق العمل في المحاكم لمدة ساعة، وبذريعة خروج جمعية نادي القضاة عن اختصاصاتها المبينة في المادة السادسة من نظامها الأساسي.
ويرى مجلس المنظمات وشبكة المنظمات أن الإنذار الموجه لجمعية نادي القضاة يندرج في سياق حالة التآزر بين السلطة التنفيذية ومجلس القضاء الأعلى للنيل من الحق في حرية تكوين الجمعيات، وإجهاض دور جمعية نادي القضاة في الدفاع عن استقلال القضاء، وكرامة القضاة، في مواجهة تغول السلطة التنفيذية وأجهزها على السلطة القضائية ومنظومة العدالة وغياب مبدأ المساءلة والمحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان.
ويشدد مجلس المنظمات وشبكة المنظمات على أن المحاولات المستمرة من قبل السلطة التنفيذية بدعم من المجلس القضائي والتي تستهدف حل جمعية نادي القضاة تدلل على حجم الخلل البنيوي البشري في السلطة القضائية وحجم التدخلات من داخل وخارج السلطة القضائية لإضعاف استقلالها وإلحاقها بالسلطة التنفيذية. كما ويشكل هذا الإنذار انتهاكاً للقانون الأساسي والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمعايير الدولية وأحكام قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية ولائحته التنفيذية، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: ورد في حيثيات الإنذار أن جمعية نادي القضاة قد انحرفت عن أهدافها المنصوص عليها في نظامها الأساسي بقيامها بأنشطة نقابية خلافاً لشخصيتها القانونية كجمعية خيرية، وهذا الادعاء يتجاهل مفهوم ومدى الحق في حرية تكوين الجمعيات في المعايير الدولية، والذي يندرج في إطاره الحق في العمل النقابي بمختلف أشكاله، للدفاع عن الحقوق والمصالح المشتركة، ويطال مختلف الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويشكل عنصراً أساساً من عناصر الديمقراطية، وفي ذلك يؤكد المقرر الخاص في الأمم المتحدة المعني بالحق في حرية تكوين الجمعيات على أن “تعريف الجمعية” إنما يدلل في جملة أمور على منظمات المجتمع المدني أو المنظمات غير الحكومية أو النقابات أو النوادي وحتى الجمعيات الشبكية على الانترنت وكل ما يساهم في تيسير المشاركة النشطة للمواطنين في بناء المجتمع الديمقراطي (وثيقة رقم A/HRC/17/27، فقرة 2).
ثانياً: إن الأنشطة التي قامت بها جمعية نادي القضاة، المشار إليها في حيثيات الإنذار، والتي تسعى للدفاع عن استقلال القضاء وكرامة السادة القضاة، باعتباره حق للمجتمع، في مواجهة تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية ومنظومة العدالة، إنما تقع في صلب الأهداف المبينة في “المادة السادسة” من النظام الأساسي لجمعية نادي القضاة والتي أكدت على: تعزيز ثقافة احترام القضاء واستقلال السلطة القضائية، والدفاع عن حقوق القضاة وكرامتهم وحصانتهم، واستقلال المؤسسة القضائية الفردي والمؤسسي، وتعزيز دور القضاء في صيانة حقوق الإنسان والحريات العامة، وتعزيز انتمائهم للرسالة القضائية ومبادىء استقلال القضاء، وتعزيز قدراتهم الفردية والجماعية في الدفاع عن استقلالهم، وغيرها من الأهداف ذات الصلة.
ثالثاً: إن تدخلات السلطة التنفيذية ومجلس القضاء الأعلى في عمل جمعية نادي القضاة تنتهك أحكام المادة (26) من القانون الأساسي والمادة (22) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبند (8) و (9) من المبادىء الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية التي تكفل الحق في حرية تكوين الجمعيات. وفي ذلك، يؤكد المقرر الخاص المعني بالحق في حرية تكوين الجمعيات على أنه” يقع التزام سلبي على عاتق الدول بعدم عرقلة ممارسة الحق في حرية تكوين الجمعيات بدون مبرر، وينبغي أن يتمتع أعضاء الجمعيات بحرية تحديد نظامهم الأساسي وهيكل تنظيمهم وممارسة أنشطتهم واتخاذ قراراتهم دون تدخل الدولة، وأن تتمتع الجمعيات في استخدام وسائلها وتحقيق أهدافها بالحماية القانونية الدولية، وينبغي أن تتمتع الجمعيات بحقوق تشمل الحق في التعبير عن الرأي والحق في نشر المعلومات والحق في الاشتراك مع الجمهور والمناصرة أمام الحكومات تأييداً لحقوق الإنسان” (وثيقة رقم A/HRC/20/27، فقرة 64). كما أن مجلس القضاء الأعلى ووزارة الداخلية ليستا جهات اختصاص بمتابعة عمل الجمعيات بموجب أحكام قانون الجمعيات الخيرية ولائحته التنفيذية.
رابعاً: إن ما ورد في حيثيات الإنذار من أن الأنشطة التي قامت بها جمعية نادي القضاة تخالف أحكام القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية وتعد تدخلاً في عمل السلطة القضائية ومساساً باستقلال القضاء والقضاة في عملهم وتدخلاً في شؤون العدالة، لا رصيد له في القانون، ويثير الاستغراب، كون جمعية نادي القضاة تمثل الهيئة العامة للسادة القضاة، وهي تعمل ضمن أهدافها الواردة في نظامها الأساسي. وفي المقابل، فإن تآزر السلطة التنفيذية مع مجلس القضاء الأعلى لإجهاض دور جمعية نادي القضاة ومحاولة حله هو الذي ينطوي على انتهاك واضح للحق في حرية تكوين الجمعيات، ومساس باستقلال القضاء والقضاة، ويتيح للسلطة التنفيذية ممارسة المزيد من الهيمنة على القضاء ومنظومة العدالة، ويشكل تدخلاً صارخاً في شؤون العدالة.
خامساً: ورد في حيثيات الإنذار أن الأنشطة التي دعت إليها جمعية نادي القضاة مخالفة للمادة (4/6) من القرار بقانون رقم (11) لسنة 2017 بشأن تنظيم حق الإضراب في الوظيفة العمومية والتي تحظر على القضاة ممارسة الإضراب. وفي المقابل، فإن هذا الادعاء يتجاهل أن الإضراب حق مكفول في المادة (25) من القانون الأساسي والمادة (22) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة (8) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن الحظر المطلق للإضراب والحالة تلك محظور في المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وأن أي قيد على الإضراب ينبغي أن لا يُفرّغ هذا الحق من مضمونه، وأن لا يعرضه للخطر، وأن لا يجعل من ممارسته أمراً متعذراً، وبغير ذلك نكون أمام انتهاك مؤكد للحق في الإضراب.
سادساً: إن الإنذار الموجه لجمعية نادي القضاء من قبل السلطة التنفيذية بناءً على شكوى رئيس مجلس القضاء الأعلى يأتي استكمالاً لمحاولات السلطة التنفيذية بمؤازرة المجلس القضائي لحل جمعية نادي القضاة، وحرمان القضاة من حقهم في التعبير عن الرأي والدفاع عن كرامتهم واستقلالهم الذي يعد حجر الأساس لاستقلال القضاء، فقد سبق وأن تقدم رئيس المجلس القضائي ممثلاً عن المجلس بطلب إلى محكمة العدل العليا لوقف الإضراب المعلن من جمعية نادي القضاة يوم الأحد الموافق 26/11/2017 على خلفية الاعتداء على حرمة محكمة نابلس والمساس باستقلال القضاء وكرامة القضاة، وقام أيضاً بتشكيل هيئة قضائية للنظر في الدعوى بتاريخ 26/11/2017، والتي جاءت في أعقاب صدور بيان عن جمعية نادي القضاة بتاريخ 22/11/2017 تضمن دعوة مجلس القضاء الأعلى لإقامة دعوى جزائية بجريمة اختطاف المحامي محمد حسين من داخل محكمة صلح وبداية نابلس وانتهاك حرمة المحكمة. بما يدلل بوضوح على المحاولات المستمرة من قبل السلطة التنفيذية بموازرة المجلس القضائي لحل جمعية نادي القضاة والمساس باستقلال القضاء والقضاة.
سابعاً: إن أي إجراء يتخذ بحل جمعية نادي القضاة دون اتباع الضوابط المعترف بها في الاتفاقيات والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، أي بمعزل عن الفحص ثلاثي الأجزاء للتأكد من مدى سلامتها، ودون وجود قرار قضائي تكفل فيه ضمانات المحاكمة العادلة وأمام محكمة مستقلة وغير متحيزة، يشكل انتهاكاً مباشراً لأحكام المادة (22) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وفي ذلك يؤكد المقرر الخاص المعني بالحق في حرية تكوين الجمعيات على ما يلي:” لا ينبغي السماح بوقف عمل الجمعيات أو حلها غير الطوعي إلا إذا كان هناك خطر جلي ومحدق يؤدي إلى انتهاك جسيم للقانون الوطني، مع الامتثال للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وينبغي أن يتناسب هذا الإجراء تماماً مع الهدف المشروع المنشود ولا ينبغي استخدامه إلا عندما تكون التدابير الأكثر مرونة غير كافية، ولا ينبغي تنفيذ إجراء الحل إلا بموجب قرار قضائي بحيث تكون حقوق الدفاع مكفولة تماماً، وأن يتخذ هذا القرار من محاكم مستقلة وغير متحيزة”. (وثيقة رقم A/HRC/20/27، فقرة 75 و76).
وعليه، فإن مجلس منظمات حقوق الإنسان وشبكة المنظمات الأهلية:
1. يطالبان السلطة التنفيذية بسحب الإنذار الموجه إلى جمعية نادي القضاة لانتهاكه الصارخ للحق في حرية تكوين الجمعيات المكفول في القانون الاْساسي المعدل والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمبادىء الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية لعام 1985 ولأحكام قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية ولائحته التنفيذية، ومساسه بحقوق السادة القضاة في الدفاع عن استقلال القضاء وكرامة القضاة.
2. يؤكدان عزمهما إحالة كافة الإجراءات التي قامت بها السلطة التنفيذية بالتآزر مع مجلس القضاء الأعلى لإجهاض دور جمعية نادي القضاة في الدفاع عن استقلال القضاء والقضاة إلى المقرر الخاص في الأمم المتحدة المعني بتعزيز الحق في حرية تكوين الجمعيات في حال أقدمت السلطة التنفيذية على حل جمعية نادي القضاة.
3. يريان أن العنوان الأبرز لتدخلات السلطة التنفيذية في الشأن القضائي كان وما زال يتمثل في مجلس القضاء الأعلى وبأشكال عديدة؛ ليس أقلها أن المجلس القضائي الحالي الذي شُكل في العام 2003 كما المجلسين اللذين سبقاه قد شكلت من قبل السلطة التنفيذية خلافاً لقانون السلطة القضائية، وأن رئيس المحكمة العليا رئيس مجلس القضاء الأعلى الحالي ونائبه قد جرى تعيينهما خلافاً لأحكام قانون السلطة القضائية، بما يدلل على حجم تدخلات السلطة التنفيذية وأجهزتها في استقلال القضاء والقضاة من خلال المجلس القضائي.
4. يريان أن المحاولات الجارية لملاحقة بعض السادة القضاة جزائياً
على خلفية مواقفهم العلنية الأخيرة المعارضة لتغول السلطة التنفيذية في شؤون
العدالة وانتهاك حرمة المحاكم، وما سبقها من إحالة قامة قضائية إلى التحقيق
لانتقاده الوضع البائس في السلطة القضائية ووصفه “بقضاء بالمقاس” إنما
يدلل على توجه واضح من قبل السلطة التنفيذية بمؤازرة المجلس القضائي يستهدف حرمان
السادة القضاة من حقهم في التعبير عن الرأي وإجهاض أية محاولة تسعى للإصلاح
القضائي ووضع حد لتغول السلطة التنفيذية على منظومة العدالة.
5. يؤكدان على أن البناء والتكوين المؤسسي في السلطة القضائية، من
خلال مجلس قضائي مشكل وفق أحكام القانون، وسيادته على الجميع، بعيداً عن تدخلات
السلطة التنفيذية وأجهزتها، هو الضامن الحقيقي لاستقلال القضاة والقضاء، والدرع
الحامي للسلطة القضائية في مواجهة تغول السلطة التنفيذية في مختلف شوؤنها.