أصدرت لجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق بشأن النزاع في غزة 2014، تقريرها النهائي يوم الاثنين الموافق 22 يونيو 2015، حول النتائج التي توصلت إليها إزاء انتهاكات القانون الدولي الخطيرة والتي وقعت خلال العمليات العسكرية التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ 13 يونيو 2014. إن مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية يؤكد مجدداً على ضرورة اعمال مبدأ المحاسبة لمقترفي تلك الانتهاكت من قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال العمليات العسكرية التي نفذتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي أسفرت عن مقتل 2217 شخصاً، غالبيتهم من المدنيين، ومن بينهم 556 طفلاً.
وكانت منظمات المجلس قد دعمت عمل لجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق في غزة والتفويض الممنوح لها من قبل مجلس حقوق الإنسان، منذ إنشائها، وتعاونت معها وسهلت مهامها، وذلك بما يشمل: تقديم المذكرات الخطية والمعلومات؛ تيسير المقابلات بين الضحايا الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة واللجنة، سواء في العاصمة الأردنية، عمان، أو عبر الربط الالكتروني المرئي (الفيديوكونفرنس)؛ وإجراء المقابلات والاجتماعات مع اللجنة في جنيف، سويسرا. لذلك، يرحب بالحقائق التي قدمها التقرير كنتيجة لتحقيقات اللجنة، فالتقرير يؤكد على مطالباتنا الدائمة للمساءلة نيابة عن الضحايا.
وكان المجلس قد أبدى قلقه من عدم تمكن اللجنة من الوصول إلى الأرض الفلسطينية المحتلة خلال عملها بسبب عدم تعاون دولة الاحتلال معها، وكذلك قلقه إزاء تأثير الضغوطات التي مارستها دول ومنظمات غير حكومية على عمل اللجنة. وفي هذا الاطار، أصدر المجلس بياناً[1] أدان فيه الضغوط التي مارستها دولة الاحتلال وحملات التشويه الأخرى والتي أسفرت عن استقالة البروفيسور وليام شاباس من رئاسة اللجنة، والتي أتت ضمن سياسة دولة الاحتلال، والمنظمات المؤيدة لها، المستمرة في تقويض عمل لجان الأمم المتحدة وهيئاتها المختصة والمتعلقة في الأرض الفلسطينية المحتلة. كما يذكر بالضغوطات المماثلة التي تعرضت لها بعثة تقصي الحقائق السابقة برئاسة القاضي جولدستون.
يسلط التقرير الصادر عن اللجنة الضوء على عدد من أكثر الجرائم خطورة والتي ارتكبت ضد المدنيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك الانتهاكات ذات الطابع المنهجي وواسعة الانتشار. وللأسف، وعلى الرغم من خطورة الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال ووضوحها، إلا أنه قد أخذ عدداً من الأحداث المتباينة على قدم المساواة، فمثلاً اُستخدمت اللغة القطعية في تحليل عدم شرعية الأفعال التي نُسبت إلى المجموعات الفلسطينية المسلحة، بينما أُخذت لغة الاحتمال للأفعال بعينها ارتكبت من قبل دولة الاحتلال وشكلت جرائم دولية، وبذلك، أساءت اللجنة للضحايا الفلسطينيين بعدم اعترافها بأن سياسة دولة الاحتلال وممارساتها “نشرت الارهاب بين السكان المدنيين” في الأرض الفلسطينية المحتلة.
يدعم مجلس منظمات حقوق الإنسان التوصيات الواردة في تقرير اللجنة وذلك من أجل ضمان العدالة للضحايا، ويطالب بتنفيذها بشكل فوري وصادق. وقد حث التقرير على مراجعة السياسات العسكرية، كاستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق السكنية المكتظة، والتي تسمى بـ”مبدأ هنيبعل”. وهو ما يشير إلى أن المسئولية عن الانتهاكات ضد المدنيين قد تقع ضمن القيادة العسكرية والسياسية التي خططت، وافقت، ونفذت هذه السياسيات وليس فقط في أفراد العمليات العسكرية. على هذا الأسس، يؤمن المجلس بشدة بأن ضمان محاسبة من يتولون مسئولية القيادة هو أمر حاسم لعدم تكرار هذه الجرائم، وضمان احترام أحكام اتفاقيات جنيف، على النحو المنصوص عليه في المادة الأولى المشتركة.
ويؤكد المجلس أيضاً النتيجة التي توصلت إليها اللجنة بأن “الحصانة الممنوحة للقيادة على الانتهاكات” للقانون الدولي المرتكبة من قبل قوات الاحتلال، “يحرم الضحايا الفلسطينيين بشكل منهجي من حقهم في الانصاف الفعال وجبر الضرر”. ولذلك يشدد المجلس على دعوة اللجنة للمجتمع الدولي لـ”الدعم الفعال لعمل المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق في الأرض الفلسطينية المحتلة” و”لإنفاذ الولاية القضائية الدولية لمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية في المحاكم الوطنية”، هذه آليات حاسمة لوضع حد للحرمان المستمر من العدالة الذي يواجهه الضحايا الفلسطينيين. المجلس يحث مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لاستخدام نتائج التقرير للمضي قدماً في فحصها التمهيدي.
وكما ورد في التقرير، إن الاحتلال طويل الأمد ونمطه يجعل من الضرورة التصدي له، وطالبت اللجنة دولة الاحتلال تحديداً بـ: “رفع الحصار المفروض على غزة دون قيد أو شرط؛ وقف كافة النشاطات الاستيطانية … وتنفيذ الرأي الاستشاري المقدم بتاريخ 09 يوليو 2004، من قبل محكمة العدل الدولية حول الآثار القانونية لتشييد الجدار” في الأرض الفلسطينية المحتلة. وسلطت الضوء في تقريرها على القضايا المتصلة بالانتهاكات واسعة النطاق التي ترتكبها قوات الاحتلال وسياسة العقاب الجماعي. يدعوالمجلس هيئات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لاتخاذ تدابير ملموسة لضمان وفاء دولة الاحتلال بالالتزامات المفروضة عليها بموجب القانون الدولي. وبالتالي يحث المجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لاعتماد التقرير والامتثال لنتائجه، والتي دعت المجلس من خلاله إلى مباشرة النظر في إجراء استعراض شامل لتنفيذ التوصيات العديدة الموجهة للأطراف وفقاً لإجراءاته واستكشاف آليات لضمان تنفيذها.
في النهاية، يشدد المجلس على أن صدور التقرير يوفر فرصة بالغة الأهمية للمجتمع الدولي لدراسة الأحداث الماضية والمستمرة في الأرض الفلسطينية المحتلة عن كثب، ولإبداء الأهمية للمعلومات الواردة في التقرير والتي قد ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وللمضي قدماً بسلوك لا يحترم فقط حقوق الضحايا، وانما يضمن أيضاً عدم تكرار هذه الانتهاكات.
انتهى