في سياق العدوان الشامل وسياسة الاقتصاص من الشعب الفلسطيني، شنت دولة الاحتلال الإسرائيلي عدواناً مسلحاً وغير مسبوق على السكان المدنيين في قطاع غزة، بدأت تتضح جرائمه وآثاره التي يراها ويقف عليها كل يوم العالم الإنساني والمتحضر، بحيث لم يترك المحتل الإسرائيلي أي من الأفعال المجرمة بمقتضى القانون الإنساني الدولي دون أن يقترفها سواء على صعيد جرائم حرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو جريمة الإبادة الجماعية، ما أودى بحياة أكثر من 13 الف مدني فلسطيني منهم حوالي 5500 طفل ولايزال2500 طفل في عداد المفقودين وما يزيد عن 3500 من النساء، فضلا عن أكثر من ثلاثين الف جريح وآلاف المفقودين تحت الأنقاض، وذلك جراء سياسة الأرض المحروقة والتدمير واسع النطاق للمدن والاحياء السكنية والاعتداء على كل مقومات الحياة من بنى تحتية وقطع الاتصال والكهرباء ومنع دخول الموارد الطبية والمعونات الغذائية فضلا عن استهداف وسائل النقل الطبي والممتلكات المحمية من دور عبادة وجامعات ومدارس والمشافي التي أخرج أكثر من ثلثيها عن العمل وحولها الى قواعد عسكرية لجيش الاحتلال.
وفي سياق متصل بجرائم المحتل صعدت قوات الاحتلال الإسرائيلي، من جرائمها المتواصلة بحق المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، عبر وقف وتعليق العمل بالحقوق والضمانات الممنوحة لهم بمقتضى القانون الدولي، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، كما تصاعدت حملات الاعتقال الممنهجة التي طالت كافة فئات المجتمع الفلسطينيّ، لإرهاب الفلسطينيين وللتأثير على أصواتهم وتحركاتهم السلمية والنضالية في التعبير عن رفضهم لما يتعرض له أبناء شعبهم من جرائم حرب ولرفض ومواجهة حملات الارهاب والقمع والتنكيل التي تتعرض له مدنهم في الضفة الغربية التي باتت كونتونات ومعازل تظهر حقيقة الوجه القبيح لدولة الاحتلال وسياسة الفصل العنصري الممنهجة.
وفي ضوء متابعة المؤسسات المعنية بالأسرى والمعتقلين[1] ، للواقع الراهنّ الذي فرضه العدوان، وما رافقه من حملات اعتقال، وإجراءات لاستهداف الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، فقد وثقت (3200) حالة اعتقال في الضّفة بما فيها القدس بعد تاريخ السابع من أكتوبر حتى تاريخ منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، من بينهم أكثر من (100) من النساء، وعدد حالات الأطفال المتوفرة من بداية أكتوبر حتى نهايته (145).
فيما لم تتوفر معطيات دقيقة حول المعتقلين من غزة، حيث رفض الاحتلال تزويد اللجنة الدولية للصليب الأحمر أي معطيات واضحة عن أعداد المعتقلين من غزة، وهوياتهم، وأماكن احتجازهم، ووضعهم الصحي، وكان التّحول الأبرز على معطيات الأسرى، هو التصاعد الكبير في جريمة الاعتقال الإداريّ، حيث أصدر الاحتلال خلال الفترة المذكورة (1464) أمر اعتقال إداريّ، ووفقًا للمعطيات فإن عدد الأسرى في سجون الاحتلال بلغ حتى منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر أكثر من (7000) أسير، من بينهم نحو (80) أسيرة، فيما بلغ عدد المعتقلين الأطفال ما يزيد عن الـ 250 طفل، وبلغ عدد المعتقلين الإداريين (المعتقلون دون تهمة) حتى اليوم (2200)، وبلغ عدد المعتقلين من غزة الذين صنفهم الاحتلال (بمقاتلين غير شرعيين) (105).
لقد وثقّت مؤسسات الأسرى والمعتقلين الفلسطينية، العشرات من الشهادات الأولية، من معتقلين جرى الإفراج عنهم بعد اعتقالهم بفترة وجيزة، وكذلك عائلات المعتقلين الذين استهدفوا خلال حملات الاعتقال بعد السابع من أكتوبر، حجم الاعتداءات والسياسة الممنهجة في التنكيل بالفلسطينيين وانتهاك كرامتهم وإنسانيتهم بل وانتهاك حقهم في الحياة وإخضاعهم للتعذيب وغيرها من ضروب الاعتداءات والانتهاكات والجرائم الممنهجة، وصلت إلى حد تهديدهم بإطلاق النار بشكل مباشر، والضرب المبرح، والتحقيق الميداني معهم، والتهديد بالاغتصاب، واستخدام الكلاب البوليسية، واستخدام المواطنين كدروع بشرية وغيرها من الانتهاكات الوحشية بما فيها التعرية من الملابس، فضلا عن تعمد الاحتلال الامتناع عن علاج المعتقلين المرضى وتعمد تركهم دون أي رعاية صحية.
وفي إطار هذه الجرائم، تابعت المؤسسات الفلسطينية، تعمد قيام جنود الاحتلال بتصوير فيديوهات للمواطنين الذين يتم اعتقالهم، وكيفية إذلالهم وإهانتهم والاعتداء الجسدي عليهم بعد تجريدهم من ملابسهم، كما قامت سلطات الاحتلال باستخدام العائلات والنساء كرهائن للضغط على أفراد من العائلة لتسليم أنفسهم للمحتل، حيث سجلت عدة حالات اعتقال واحتجاز لنساء، وأطفال،
كما وثقت المؤسسات المعنية بالمعتقلين والأسرى تصاعد كبير في الإجراءات الانتقامية الممنهجة بحق الأسرى، وخاصة بعد توقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن عملها في زيارة أماكن الاعتقال الإسرائيلية ومنع العائلات الفلسطينية من زيارة ذويهم الأسرى، حيث شرعت إدارة سجون الاحتلال، بفرض إجراءات انتقامية جماعية بحقّ المعتقلين، بما فيها عمليات اقتحام واسعة لأقسام الأسرى وزنازينهم، ووضعت الأسرى بعزل جماعي، ومضاعف، حيث تحوّلت كافة (غرف الأسرى) إلى زنازين بعد تجريدهم من كافة مقتنياتهم، ومصادرة كافة الكهربائيات البسيطة التي كان يستخدمونها، لتلبية احتياجات أساسية لهم، ونفّذت اعتداءات واسعة بحقّ الأسرى، من خلال الضرب المبرح مستخدمة العصي والهراوات، وتسببت بإصابة العشرات بصفوفهم، وتعمدت بعد ذلك تركهم دون علاج.
كما مسّت هذه الإجراءات مقومات الحياة الأساسية (الطعام، الماء، العلاج، والكهرباء)، حيث تم قطع الكهرباء عن أقسام الأسرى، وتقليص كمية المياه وساعات توفرها لهم، وضيقت بشكل غير مسبق على الأسرى المرضى، وضاعفت من سياسات الحرمان من العلاج القائمة أصلا بحقهم، وأوقفت نقل الأسرى إلى عيادات السّجون، وكذلك المستشفيات، كما فرضت عملية تجويع، بعد إغلاق (الكانتينا)، ومصادرة ما تبقى مع الأسرى من مواد غذائية (كالمعلبات)، وقلصت وجبات الطعام إلى وجبتين، كما ونفّذت عمليات نقل جماعية بحق الأسرى، وعزلت العديد منهم انفراديًا بعد الاعتداء عليهم بالضرب المبرح.
ولعل أخطر الممارسات والانتهاكات تمثلت في استهداف الأسرى في عمليات اغتيال ممنهجة بحق المعتقلين وعن سبق إصرار حيث استشهد ستة معتقلين بعد السابع من أكتوبر وخلال أقل من شهر نتيجة التعذيب في سجون الاحتلال، إضافة لإصابة العشرات من المعتقلين بكسور ورضوض في كافة أنحاء أجسادهم نتيجة الضرب المبرح وتركهم دون علاج، إضافة إلى ذلك فقد قتلت سلطات الاحتلال العشرات من الأسرى المحررين ومنهم من أبعد خلال السنوات الماضية إلى غزة، في اعدام خارج القضاء وذلك في إطار عمليات الإبادة الجماعية.
وفي سبيل تعميم الممارسات والانتهاكات الممنهجة بحق المعتقلين أصدر الكنيست قانون يسمح لإدارة السّجون بعدم الالتزام بمساحة العيش المقررة لكل أسير، وذلك حسب ظروف الزنازين ومساحاتها، بما يسمح باحتجاز الأسرى بدون سرير في الحالات التي لا يمكن فيها توفير السرير، الأمر الذي انعكس على الأسرى؛ حيث أصبح هناك اكتظاظ كبير في الزنازين، إضافة إلى نوم الأسرى على الأرض، كذلك اصدار أمر عسكري آخر حمل الرقم (2148) مدد بموجبه مدة إصدار أمر الاعتقال من 72 ساعة الى 6 أيام، وأيضا تمديد مدة تأجيل إطلاق سراح المعتقل إداريا من 72 ساعة لتصبح 6 أيام، كما مدد المراجعة القضائية لأوامر الاعتقال الإداري من 8 أيام لتصبح 12 يوما. وهو ما يظهر التعسف في احتجاز الأسرى الفلسطينيين، لمدد طويلة دون محاكمة أو تهمة ويتيح لقائد المنطقة مدة أطول لإصدار أوامر الاعتقال لعدد أكبر من الأسرى، وهذه المدد الطويلة تعطي فرصة لإدارة السجون بالتنكيل بالأسرى وتحول دون تمتعهم بالحد الأدنى من حقوقهم.
وفي سبيل مضاعفة معاناة معتقلين قطاع غزة لدى دولة الاحتلال صدر بتاريخ 8/10/2023 أمر سجن المقاتلين غير الشرعيين (أمر مؤقت) الذي يفيد بمكان احتجاز المعتقلين من قطاع غزة بمعسكر “حقل اليمن” قرب بئر السبع باعتبارهم مقاتلين غير شرعيين، بناءً على قانون المقاتل غير الشرعي الإسرائيلي الصادر عام 2002، وبتاريخ 13/10/2023 صدر تعديل على قانون المقاتل غير الشرعي تحت عنوان “المواعيد النهائية للتعامل مع المقاتلين غير الشرعيين أثناء الحرب أو العمليات العسكرية للعام 2023” والذي يستبدل مدة إصدار أمر الاعتقال من 7 أيام الى 21 يوماً، ومدة المراجعة القضائية من 14 يوما إلى 30 يوما، وزيارة المحامي تكون خلال 21 يوما قبل موعد المراجعة القضائية بدل من 7 أيام، والمنع من لقاء المحامي على يد المسؤول عن إصدار قرار الاعتقال يصبح 28 يوما من تاريخ الاعتقال بدل 10 أيام.
وتستمر دولة الاحتلال بانتهاك ضمانات المحاكمة العادلة وحق الأسرى في الحصول على الاستشارة القانونية من خلال أوامر جديدة تُعدل على قانون الاعتقالات لعام 1996، الذي يسري على فلسطينيي الأراضي المحتلة لعام 1948 وسكان قطاع غزة والذي أعطى الحق لمسؤول التحقيق في تأجيل لقاء المحامي حتى 15 يوما، ومسؤول وحدة التحقيق يمنح أنّ يمدد المنع مدة 15 يوما إضافية بحيث لا تتجاوز المدة 30 يوما، أما رئيس أو نائب رئيس المحكمة المركزية يمكن أن يمدد المنع لمدة 20 يوما في المرة الواحدة بحيث لا تتجاوز مدة المنع الكلية 90 يوما، أي أنه يمكن أن يتم منع المعتقل من لقاء محاميه لمدة 90 يوما، اضافة الى القيود المستخدمة ضد المحامين وعدم ضمان سلامتهم، والتضييق عليهم خلال عملهم في المحاكم العسكرية، وتضييق الإجراءات الخاصة بزيارات السجون وذلك بهدف منع المحامين من لقاء الأسرى ورصد وتوثيق ما يتعرضون له من تنكيل.
تواصل دولة الاحتلال إصدار التعديلات التعسفية والتي تنتهك الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين الفلسطينيين بشأن “تشديد التعامل مع مخالفات التحريض ودعم منظمات معادية (تعليمات مؤقتة) ، والذي رفع العقوبة على “التحريض” ودعم “المنظمات المعادية” التي تم ذكرها في الأمر بالحبس لمدة عامين كحد أدنى. ومع العلم أن انتهاج دولة الاحتلال لسياسة الإدانة على تهم التحريض ليست بالسياسة الجديدة، إلا أن تشديد العقوبة خلال “حالة الحرب” يهدف الى ترهيب الفلسطينيين وقمع أي مظاهر دعم وتأييد للفصائل الفلسطينية المذكورة في الأمر.
وعلى ضوء الممارسات والانتهاكات الجسيمة بحق المعتقلين الفلسطينيين، ترى المؤسسات الموقعة على هذا النداء بأن هذه الممارسات والانتهاكات ومعاناة الشعب الفلسطيني من جرائم المحتل، لم يكن لها أن تكون لولا الدعم السياسي والعسكري لدولة الاحتلال من بعض الدول الغربية بالإضافة الى صمت وتغاضي المجتمع الدولي بما فيها مجلس الأمن والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف الأربع عن تحمل مسؤولياته القانونية في مساءلة المحتل والتدخل لإلزامه باحترام حقوق السكان المدنيين بما فيهم المحتجزين والمعتقلين، ما دفعه للتمادي بهذه الانتهاكات والضرب بعرض الحائط بكافة الأعراف والمواثيق الدولية.
إننا وإذ نؤكد على أن القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني قد تضمنا مبادئ وقيم فضلى في تعزيز ضمانات وحقوق الانسان في حال النزاعات المسلحة وحروب التحرير، ما يكفل ويضمن احترام الكرامة الإنسانية وحقوق الانسان، ، غير ان المعضلة ليست في هذه القوانين التي نحترمها ونسعى لتعزيز احترامها والايمان بها وتطبيقها، وإنما تكمن المعضلة في تسيس المجتمع الدولي والكيل بمكيالين، بحيث يصمت ويتجاهل الزام تطبيقها لصالح الشعب الفلسطيني في الوقت الذي يتسابق فيه لفرض احترامها واستخدام كل ما هو متاح من آليات على صعيد نزاعات أخرى لا ترقى أو تصل انتهاكاتها للفظائع التي يتعرض لها الفلسطينيين.
إن المؤسسات الموقعة على هذا النداء وأمام ما نشهده من تصاعد في وتيرة جرائم المحتل وانتهاكاته بحق المحتجزين والمعتقلين الفلسطينيين، تحذر من عواقب الصمت الدولي وتجنب التدخل الفاعل والجاد بمواجهتها، وتطالب:
- تشكيل مجلس حقوق الانسان للجنة تحقيق دولية في الجرائم الإسرائيلية بحق المعتقلين، عما يتعرض له الفلسطينيين من اعتقال تعسفي وتعذيب وإنكار لضمات حقوقهم في المعاملة الإنسانية واحالة تقريرها لمجلس الأمن والجهات الدولية المختصة بما يكفل مساءلة الاحتلال على هذه الجرائم والانتهاكات.
- دعوة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بوصفها الحارس للقانون الدولي الإنساني لإصدار موقف واضح وعلني حول جرائم الحرب المرتكبة بحق المعتقلين الفلسطينيين والضغط من أجل إلزام سلطات الاحتلال باحترام دور اللجنة واحترام المواثيق الدولية الخاصة بالأسرى.
- دعوة اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 لعقد مؤتمر طارئ وعاجل لبحث سبل ضمان هذه الدول تطبيق احكام الاتفاقية واحترامها بشأن ضمانات وحقوق المعتقلين الفلسطينيين والمساءلة عن انتهاكها أو تعطيل العمل بها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
- على المنظمات الحقوقية ونقابات المحامين في العالم تحمل مسؤولياتهم القانونية بمواجهة الانتهاكات والممارسات الإسرائيلية بحق المعتقلين الفلسطينيين وإخضاعهم الممنهج للتعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة وإنكار ضماناتهم في المحاكمة العادلة، عبر تفعيل المساءلة والملاحقة والمحاكمة لمرتكبي هذه الجرائم أمام محاكمهم الوطنية.
- تحرك مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة المهينة، واللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب والفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي العاجل بمواجهة الانتهاكات والجرائم المرتكبة بحق المعتقلين الفلسطينيين والمحتجزين تعسفا واستخدام كافة الآليات والصلاحيات المتاحة لوقف ما يتعرض له المعتقلين من قتل عمد وتعذيب.
- تحرك المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالات الاعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة تعسفا بخصوص حالات الاعدام الميداني التي ارتكبتها قوات الاحتلال والتي تعتبر انتهاكا لحق الانسان في الحياة وقتل عمد.
المؤسسات
– هيئة شؤون الاسرى والمحررين.
– نقابة المحامين الفلسطينيين
– نادي الأسير الفلسطيني
– مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية “حريات”
– مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الانسان.
– مؤسسة الحق.
– الحركة الدولية للدفاع عن الأطفال.
– الهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى والمحررين.
– الحملة الشعبية لإطلاق سراح مروان البرغوثي.
[1] (هيئة شؤون الأسرى، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز وادي حلوة – القدس) ونقابة المحامين الفلسطينيين.