سبعون عاماً من النكبة تعني للفلسطينيين سبعة عقود من القمع والإخضاع لسياسات الفصل العنصري الإسرائيلي وممارساته الاستعمارية، وهي تمثّل سبعة عقود من تقاعس المجتمع الدولي وفشله في الوفاء بالتزاماته ومسؤولياته، غياب المساءلة والحماية، وتعبّر عن عملية سلام وهمية، ومتحيزة، وعقيمة غير قادرة على تحقيق السلام والعدالة. وبالرغم من هذه السنوات السبعين، لا يزال الشعب الفلسطيني حازماً في مطالبته بحقوقه الأساسية وفي مقدمتها حق العودة للاجئين والمهجرين إلى ديارهم الاصلية وحقه في تقرير مصيره.
يبلغ عدد اللاجئين والمهجرين الفلسيطينيين اليوم ما لا يقل عن 8.26 مليون[1] من بين 12.7 مليون فلسطيني، أي ما يقارب ثلثي الشعب الفلسطيني، تم تهجيرهم قسراً وتشتيتهم في جميع أنحاء العالم نتيجة لسياسات إسرائيل المستمرة في التهجير والضم والاستعمار. بالإضافة إلى ذلك، تستمر إسرائيل في التنكر لحق اللاجئين في جبر ما لحق بهم من اضرار عبر حرمانهم من حقهم في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها في العام 1948، واستعادة ممتلكاتهم، وتعويضهم، والالتزام بعدم تكرار الانتهاكات.[2] الى جانب ذلك، يتعرض الثلث المتبقي من الفلسطينيين المتواجدين في فلسطين التاريخية لخطر التهجير القسري نتيجةً للسياسات التي تتبعها اسرائيل.
في السنوات الأخيرة، تصاعدت شدة الحملة التي تقودها إسرائيل والولايات المتحدة لإنهاء عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهي الهيئة الدولية المكلّفة بتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، مما يتسبّب في أزمة مالية حادة تؤثر تأثيراً كبيراً على قدرة الوكالة على توفير أبسط الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين. لم تكن هذه المحاولة الأولى من جانب إسرائيل لنزع الشرعية عن الأونروا، كما أنها ليست المرة الأولى التي توقف فيها الإدارة الأمريكية التمويل أو تهدد بالقيام بذلك كشكل من أشكال الابتزاز السياسي. وبما أنّ تمويل الأونروا هو طوعي بطبيعته، فإنّ ذلك جعل من توافر خدماتها مرهوناً باستعداد المانحين لتمويلها، وبالتالي فإن هذه التبعية جعلت الوكالة عرضة للضغط والتدخل السياسي. وفي الواقع، يكشف التحليل التاريخي لمحاولات إسرائيل وسلوك الإدارة الأمريكية منذ بداية عملية أوسلو للسلام، عن وجود استراتيجية منظمة ومدروسة تهدف إلى القضاء على الحقوق الأساسية للفلسطينيين بشكل عام، وحقوق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين بشكل خاص. تهدف هذه الاستراتيجية إلى إلغاء الأونروا باعتبارها الشاهد الرئيس على فشل المجتمع الدولي في إيجاد حل لأكبر وأطول قضية لجوء وتهجير قسري في العالم.
في 6 كانون الأول 2017، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكانت الولايات المتحدة بذلك أول دولة في العالم تفعل ذلك، وتعترف بضم اسرائيل غير القانوني للمدينة. لطالما رفض المجتمع الدولي على مدى العقود السبعة الماضية الادعاءات الإسرائيلة بحقها في السيادة على مدينة القدس، وطالما ندد بالتدابير الإسرائيلية التي سعت إلى تغيير طابع المدينة واعتبر أنها لا تتمتع بأي شرعية او صلاحية قانونية، وذلك من خلال إعادة التأكيد على عشرات قرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن.[3]
إن إعلان الرئيس ترامب هذا لا ينتهك القانون الدولي فحسب، بل إنه يرسّخ عملية ضم اسرائيل غير القانونية للقدس والمشاريع الاستعمارية غير القانونية في المدينة وحولها. علاوة على ذلك، فإنّ هذا الإعلان يشير إلى تغيير خطير في السياسة الامريكية ذات العلاقة بقضايا الوضع النهائي والتي تؤثر بشكل مباشر على الصراع. وبالتالي، فإنّ سياسات الولايات المتحدة الأخيرة تجاه اللاجئين الفلسطينيين والأونروا والقدس تُظهِر تحيزاً واضحاً لإسرائيل، مما يفقدها أهليتها للعب دور الوساطة في جهود السلام.
وردّاً على إنكار حقوقهم في الحصول على حلول عادلة ومنصفة ودائمة، بدأ الفلسطينيون منذ منتصف التسعينيات بتنظيم فعاليات ومسيرات “العودة”. ففي العام 1998، نظّم المهجرون داخل الأخضر أولى مسيرات العودة إلى إحدى القرى المهجرة في العام ١٩٤٨، وأصبحت منذ ذلك الوقت مسيرة العودة تنظم سنوياً بمشاركة متزايدة من الشباب الفلسطيني بجميع أطيافه وعلى امتداد جغرافيته. انّ مسيرة العودة الكبرى التي ما زالت متواصلة حتى اليوم في قطاع غزة والتي يشارك فيها عشرات آلاف الفلسطينيين انطلقت من اجل تحقيق الحقوق الاساسية ومن اجل انهاء 11 عاما من الحصار المفروض على القطاع.
لقد ردت قوات الاحتلال الإسرائيلية على مسيرة العودة الكبرى السلمية بالعنف المفرط وبالقوة القاتلة. فمنذ أن بدأت المسيرة في 30 أيار 2018، استشهد 40 فلسطينياً، من ضمنهم خمسة اطفال، وصحفيان، وفلسطينيان من ذوي الحاجات الخاصة. كما أصيب تقريبا 4000 من المشاركين منينهم الفان بالرصاص الحيّ. إن عمليات القتل المتعمد، وغير القانونية التي تقوم بها إسرائيل بحق المتظاهرين المدنيين العزل على حدود القطاع تشكّل انتهاكا سافرا للقانون الدولي لحقوق الانسان، وانتهاكا جسيما لاتفاقية جنيف الرابعة، كما تشكل جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية.[4] ان هذه الممارسات تظهر استمرار الهيمنة الاسرائيلية وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من قمع لاخضاعه. إن هذه المسيرات، التي تقابل إسرائيل المشاركين فيها بالقوة المفرطة والمميته وغير المبررة، تؤكّد على ضرورة محاسبة اسرائيل وتستوجب ضمان توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني بموجب قواعد القانون الدولي.
إن الفشل في إيجاد حلول عادلة ودائمة لقضية اللاجئين الفلسطينيين له تأثير كبير في سياق الصراعات المدمرة التي تعيشها البلدان العربية اليوم، والتي أدت إلى موجات تهجير ثانوي/لاحق للاجئين الفلسطينيين المتواجدين فيها. فخلال الحرب الحالية في سوريا، من بين 560 ألف لاجئ فلسطيني تواجدوا في البلاد قبل بدء الحرب، نزح ما يقارب 400 ألف لاجئ، منهم 120 ألفاً هُجّروا إلى خارج سوريا، و280 ألفاً هُجّروا داخلها، ومعظمهم يحتاجون إلى مساعدات إنسانية فورية.[5]
لا يمكن ضمان حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ولا سيما الحق في تقرير المصير والعودة وجبر الضرر، فقط من خلال مناهج التدخل التي اعتمدها المجتمع الدولي، والمتثملة في التدخل الاغاثي الإنساني، او الوساطة السياسية، وذلك لاختلال موازين القوى وافتقارها إلى أي أساس في القانون الدولي. لإيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية يجب اعتماد نهج قائم على الحقوق، والذي من دونه سيبقى الوضع على حاله وسيبقى الفلسطينيون دون حماية في مواجهة المزيد من المعاناة والمزيد من التهجير القسري. إن عدم استجابة المجتمع الدولي لاحتياجات الفلسطينيين كشعب لا تؤثر فقط على الأشخاص الذين هُجِّروا قسرياً، ولكنها تشجع أيضاً على استمرار إسرائيل في مواصلة تهجير الفلسطييين بسبب تمتعها بحصانة الإفلات التام من العقاب جراء انتهاكاتها الخطيرة للقانون الدولي.
يؤمن مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية أنه من المستحيل التوصل إلى حل عادل ودائم دون تبني استراتيجية قائمة على العدالة والقانون الدولي والقرارات الدولية ذات الصلة، لا سيما قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 237 لعام 1967. وعليه، فإنه يطالب المجتمع الدولي:
- اتخاذ جميع التدابير لضمان امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان؛
- السعي بجهد لتأمين الحماية الدولية – بما في ذلك الحلول الدائمة – لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وخاصة حقهم في العودة وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير؛
- ضمان آلية تمويل منتظم للأونروا لضمان توفير المساعدات الإنسانية والحماية الدولية لجميع الفلسطينيين المهجرين قسراً.