مقدمة
منذ بدء جريمة الحرب المستمرة على قطاع غزة، أصبحت حياة المواطنين المدنيين مستهدفة بشكل واضح بالقصف المتواصل الذي تشنه الة الحرب العسكرية الإسرائيلية على القطاع عبر القاء القنابل من الجو والبحر والبر وتقدر قوة ما تم القاءه من قنابل أكثر من القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية، وتزامنت الحرب على القطاع منذ اليوم الأول بشن حملة اعتداءات وانتهاكات واسعة بحق العمال الغزيين اللذين يعملون في داخل الخط الأخضر واعتبارهم ” عمال غير قانونيين” وتسبب ذلك لهم بمأساة كبيرة ، ولا يوجد حتى اللحظة ارقام وإحصائيات دقيقة عنها، حيث تعرضوا لعمليات ابتزاز من ارباب العمل الإسرائيليين ، وأيضا الى العديد من الانتهاكات الجسيمة من قبل سلطات الاحتلال ، ومنها نقلهم الى قطاع غزة تحت النيران بغياب أي ضمانات للحماية ، ومازالت اعداد كبيرة من العمال داخل الخط الأخضر وفي الضفة الغربية مصيرهم محفوف بالمخاطر، في ظل ضعف السلطة الفلسطينية في تحمل مسؤولياتها القانونية والاجتماعية اتجاههم ، كما لا يزال آلاف العمال مصيرهم حتى الان يكتنفه الغموض، منهم من هم مفقودين او مازالوا متواجدين داخل الخط الأخضر ولا يستطيعون الوصول الى مكان امن .
أولا: مأساة العمال الغزيين تحت بند ما يسمى “العمال غير القانونيين”
يعيش حوالي (17،000) ألف عامل غزي كانوا متواجدين داخل الخط الأخضر يوم إعلان الحكومة الإسرائيلية الحرب على الشعب الفلسطيني معاناة مركبة، بين وجع الانقطاع عن الاهل والحرمان من الحقوق الإنسانية، وترافق هذا الوضع مع قرار ما يسمى منسق الإدارة المدنية التابع للاحتلال بإلغاء كافة تصاريح العمل الممنوحة لهم، وبهذا أصبح من يتواجد منهم داخل إسرائيل او الضفة الغربية يتسم بوصف” غير قانوني” ما يجعله عرضه للملاحقة والاعتقال والتنكيل، وبذات الوقت لا يستطيعون العودة الى بيوتهم لأن كافة المعابر المؤدية الى قطاع غزة تم اغلاقها بقرار من سلطات الاحتلال . هذه الظروف الجديدة حولت الوضعية القانونية لهؤلاء العمال الى مقيمين بشكل غير قانوني في الضفة الغربية ومهددين بالاعتقال في كافة الأوقات من قبل سلطات الاحتلال، حيث تعرض العديد منهم للاعتقال بالفعل في محافظة الخليل وكذلك في الطريق الواصلة بين محافظتي اريحا ورام الله الامر الذي يفاقم المعاناة الإنسانية لهؤلاء العمال الذين تتعرض أسرهم للتهجير والقصف وفقدان الحياة بشكل يومي، وفقدان البعض منهم لذويهم في القطاع تحت آلة الحرب والقصف.
ثانيا: العمال الغزيين – احصائيات وأرقام مبعثرة
حسب الاحصائيات الرسمية بلغ عدد العمال الفلسطينيين من أبناء قطاع غزة المتحصلين على تصاريح عمل داخل الخط الأخضر عام 2023 حوالي (18500) عامل[1]، منهم حوالي (1500) عامل يعملون في منطقة غلاف غزة يذهبون يوميا للعمل ويعودون الى القطاع ، وهؤلاء حسب إفادات البعض من زملائهم لم يذهبوا للعمل بتاريخ 7أكتوبر/تشرين الأول بسبب عطلة السبت،[2] والعدد الأكبر من مجموع العمال ويقدر ب(17000) عامل معتادون على المبيت داخل منشئات العمل لفترات طويلة بسبب صعوبة إجراءات المرور من والى قطاع غزة من خلال معبر بيت حانون ” ايرز العسكري” ، وهذا العدد الكبير من عمال القطاع وجدوا انفسهم صباح يوم 7أكتوبر/تشرين الأول معرضين لصنوف من الانتهاكات وللانتقام من مشغليهم ومن الشرطة والجيش الإسرائيلي، وحسب معلومات غير رسمية فان عدد العمال الذين تم اعتقالهم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية بلغ حوالي(4000) الاف عامل اعتقلوا من مناطق مختلفة داخل الخط الأخضر.
بلغ عدد عمال قطاع غزة الذين تم استقبالهم في الضفة الغربية حسب التقديرات الرسمية (6200) حتى تاريخ 7/11/2023، [3]موزعين على مختلف محافظات الضفة الغربية، اريحا 1800، قلقيلية 970، رام الله 1162، نابلس، 550 ، الخليل 386 ، طوباس 282 ، جنين 350 ، محافظة القدس260 ، بيت لحم 156 طولكرم 147 ، سلفيت 67. يتم استقبالهم وتسجيلهم في العديد من المراكز الموزعة في محافظات الضفة الغربية.
ثالثا: استغلال وابتزاز أرباب العمل للعمال وتهديدهم بالقتل
استغل ارباب العمل الإسرائيليين احداث الحرب المعلنة من حكومة الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة، ووفق ما أفاد البعض من العمال بأنهم تعرضوا من قِبل أرباب العمل للضرب والتهديد بالقتل، والابتزاز من خلال رفضهم منح اجورهم، الامر الذي اضطر العمال الغزيين الى البحث عن مأوى امن، حيث توجه العديد منهم الى المعابر المحاذية للضفة الغربية في محافظات جنين وطولكرم وقلقيلية والخليل، كما أن البعض الآخر منهم تم اعتقاله من قبل سلطات الاحتلال اثناء محاولتهم الدخول الى الضفة الغربية. وجرى تنظيم عمليات الاستقبال من قبل المؤسسات والهيئات الرسمية والمجتمعية للذين تمكنوا من الدخول الى محافظات الضفة الغربية.
رابعا: الانتهاكات التي واجهها العمال الغزيين من قبل سلطات الاحتلال
واجه العمال أصناف شتى من العذاب والتنكيل والتصوير بأوضاع مذله ومهينة ، كما أظهرت فيديوهات مشاهد لعمال فلسطينيين مجردين بالكامل من الملابس ، وتم تداول هذه الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيلية حيث نشرت من قبل جنود جيش الاحتلال لأغراض التباهي وتغذيه النزعات الانتقامية التي تتنامى بشكل متسارع [4]، وجرى توثيق هذه المعلومات أيضا حسب إفادات بعض العمال الذين تم الافراج عنهم لاحقا من معتقل عوفر في رام الله، كما أفرجت سلطات الاحتلال عن حوالي 3200 عامل كانوا محتجزين لديها من سجني عوفر وعناتا وادخلتهم الى قطاع غزة بتاريخ 4/11/[5]2023 ، وأُعلن عن استشهاد احدهم نتيجة الضرب الذي تعرض له اثناء عبوره معبر كرم أبو سالم ، ولا يوجد معلومات عن عدد العمال الذين ما زالت سلطات الاحتلال تحتجزهم في سجونها حتى تاريخه خصوصا انه ورد معلومات عن اعتقال العديد منهم واخرها اعتقال حوالي 70 عامل من بلدة برطعة خلف الجدار بتاريخ 12/11/202023 وأيضا عن العمال الذين جرى الإبلاغ عنهم من قبل زملائهم للمؤسسات الحقوقية الفلسطينية بانهم مفقودين وبلغ عدد ما تم حصره حتى الآن حوالي 250 عامل، في حين تتوالى طلبات الاستغاثة اليومية من ذوي العمال في القطاع عبر وسائل الاعلام وصفحات السوشيال ميديا بالاستعلام عن أبنائهم المفقودين من العمال، رفضت الجهات الحكومية الإسرائيلية الإفصاح عن أي معلومات عنهم للمؤسسات الحقوقية الإسرائيلية حيث تقدم مركز الدفاع عن الفرد” هموكيد” بالتماس للمحكمة العليا الإسرائيلية بهذا الموضوع .
خامسا: عمليات النقل تحت النيران وغياب الضمانات القانونية للحماية
بتاريخ 10/11/2023، تم نقل عدد 970 عامل الى قطاع غزة بالتنسيق بين الشؤون المدنية الفلسطينية والارتباط العسكري الإسرائيلي، وتولت وزارة العمل عملية تسجيل العمال الراغبين بالعودة لقطاع غزة، وقد أكدنا (مركز بيسان ومؤسسة حريات) في حينه انه لا يجوز من الناحية الإنسانية الموافقة على نقلهم في ظل الأوضاع القاسية وغير الامنة في قطاع غزة بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع وكذلك عدم وجود جهات دولية ضامنة لنقلهم الامن من الضفة الى القطاع التي يمكن ان تضمن سلامة الوصول الى بيوتهم داخل القطاع .
حسب إفادات البعض من العمال الذين تم التواصل معهم عند وصولهم للقطاع انه تم ادخال الحافلات التي نقلتهم من اريحا الى معسكر لجيش الاحتلال قرب مدينة اريحا ، وتم انزال العمال من الحافلات وتفتيشهم تفتيشا مذلا ، ومن ثم ربطت أيديهم الى الخلف بواسطة قيود بلاستيكية وكذلك تم ربط ارجلهم بذات النوع من القيود وتغطية وجوههم بواسطة غطاء اسود وربط كل اثنين من العمال بعضهم البعض من ارجلهم بقيود بلاستيكية ، وبعد ذلك تم نقلهم الى حافلات اخرى تابعة للجيش مخصصة لنقل المعتقلين وتتسع لعدد 35 شخص بالإضافة الى مرافقة خمسة جنود جلسوا في المكان المخصص لهم في الحافلة واستمر هذا الوضع لمدة سبع ساعات متواصلة حتى وصولهم الى معبر كرم أبو سالم دون تمكنهم من شرب الماء أو السماح لهم بقضاء حاجاتهم، بجانب مصادرة كافة الملابس والاحتياجات الشخصية التي كانت بحوزتهم، باستثناء السماح لهم بإدخال جهاز موبايل، الامر الذي أدى الى خسارة العمال ملابسهم واغراضهم الشخصية والمواد الغذائية التي اشتروها لعائلاتهم ، وأفاد البعض منهم انهم فقدوا مبالغ مالية نتيجة هذا المنع اما بسبب قيمة المشتريات التي كانت بحوزتهم والتي تم مصادرتها او لانهم وضعوا نقودهم داخل حقائب الملابس التي تم مصادرتها ولم يسمح لهم الوصول لها بسبب وضعية الاعتقال التي خضعوا لها من قبل سلطات الاحتلال فور ادخالهم لمعسكر جيش الاحتلال بجانب اريحا.
ازدادت اعداد العمال الذين يجري نقلهم الى قطاع غزة، حيث تم نقل دفعة ثانية من العمال ويقدر عددها (1400)عامل بتاريخ 15/11/2023 ، بالتنسيق بين الجهات الفلسطينية الرسمية والإسرائيلية بذات الظروف التي واجهها العمال الذين تم نقلهم في الدفعة الأولى ، حيث أكد العمال الواصلين للقطاع تعرضهم لذات الإجراءات المذلة التي تعرض لها العمال الذين تم نقلهم بتاريخ 5/11/2023 ، [6]كما أضاف البعض منهم ان سلطات الاحتلال اعتقلت عدد 23 عامل منهم اثناء وجودهم في معسكر الجيش بجانب اريحا ، واقتادتهم لمكان مجهول ليس معلوم مصيرهم فيه حتى هذه اللحظة، ووفق إفادات بعض النساء حيث جرى نقل عدد ( ٦) نساء كُنّ مريضات أو مرافقات للمرضى في مستشفيات الضفة الغربية والقدس وتعرضن لذات الظروف والإجراءات المهينة والمذلة في اثناء عودتهن للقطاع. وبذلك بلغ عدد العمال الذين تم ارجاعهم الى القطاع بواسطة التنسيق بين الارتباط الفلسطيني والإسرائيلي 2500 عامل.
سادسا: الحماية القانونية والاجتماعية للعمال الغزيين
تتحمل السلطة الفلسطينية المسؤولية القانونية عن توفير كافة مستلزمات الحياة الكريمة للعمال الفلسطينيين من قطاع غزة كونهم مواطنين يتمتعون بكافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بشكل تام، وتقع على عاتق السلطة مسؤولية الحفاظ على امنهم وحياتهم وعدم دفعهم لمخاطر العودة الى قطاع غزة او البقاء بالضفة الغربية لفترة مؤقته داخل مراكز الاستقبال دون حماية قانونية واجتماعية ، وذلك بالرغم من مطالبات العديد منهم العودة الى أسرهم، وبالـتأكيد ينبغي تفهم مخاوف العمال وحاجاتهم لوجودهم مع أسرهم في ظل الأوضاع شديدة الخطورة في القطاع، غير أن ذلك لا ينبغي أن يشكل هذا ذريعة لرفع الغطاء القانوني عنهم وحقهم في الحماية من الخطر، وبالتالي عدم جواز تعريضهم للخطر من خلال التنسيق مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر دون تدخل جهات دولية ضامنة كالصليب الأحمر الذي بدوره رفض تحمل هذه المسؤولية من خلال اعلان رسمي صدر عنه عبر صفحة الفيس بوك بتاريخ 9/11/2023، حيث نفى الصليب الأحمر بأن يكون له أي دور في عملية نقل العمال من الضفة الغربية الى قطاع غزة.
سابعا: المصير المحفوف بالمخاطر إلى أين؟
في ضوء التوافد المستمر للعمال الغزيين من الداخل المحتل الى الضفة الغربية، وإعادة ما مجموعه (5700) عامل الى القطاع، منهم (3200) الذين كانوا معتقلين لدى سلطات الاحتلال وتم إعادتهم بعد الافراج عنهم من قبل سلطات الاحتلال ، وعدد (2500) الذين تم إعادتهم بواسطة التنسيق بين الارتباط المدني الفلسطيني والارتباط العسكري الإسرائيلي، ولا يتوفر معلومات عنهم وعن مصائرهم فيما اذا استطاعوا اللقاء بعائلاتهم ، او انهم لم يتعرضوا للخطر الداهم في كل مكان داخل القطاع ، كما بلغ عدد العمال المتبقين في مراكز الاستقبال في الضفة الغربية (4000 ) عامل ، بالإضافة الى 250 عامل تم التبليغ عنهم بانهم مفقودين ، وبهذا يصبح العدد الإجمالي للعمال المعروف وضعيتهم حوالي (10000) عامل من اجمالي عدد (17000) و يبقى مصير حوالي (7000) عامل مجهول حتى اللحظة الامر الذي يدعوا الى استنفار جهود الجهات المختصة للضغط على سلطات الاحتلال للكشف عن مصيرهم .
نوجه نداء عاجل الى كافة الجهات المسؤولة والمعنية من أجل:
أولا: تحرك الأطراف الثالثة المتعاقدة في اتفاقيات جنيف وتحملهم المسؤولية والضغط على سلطات الاحتلال لتوفير الحماية للعمال الفلسطينيين من قطاع غزة الذين ما زلوا متواجدين داخل الخط الأخطر، والكشف عن مصير المفقودين منهم، وضمان عودة امنة لهم.
ثانيا: يجب على منظمة العمل الدولية التحرك العاجل لتوفير كافة المستلزمات الضرورية للعيش الكريم للعمال الذين فقدوا عملهم والضغط على الجهات الإسرائيلية لضمان مستحقاتهم التشغيلية من قبل مشغليهم.
ثالثا: على الصليب الأحمر الدولي تحمل مسؤولياته بموجب اتفاقية جنيف الرابعة والعمل على ضمان عودة امنة للعمال الى قطاع غزة.
رابعا: على السلطة الفلسطينية توفير أماكن الاستقبال الملائمة للعمال وتوفير كافة الاحتياجات المطلوبة لضمان العيش الكريم لهم، وتوفير الخدمات الطبية والعلاج والرعاية الأساسية والاغاثية حتى انتهاء العدوان على القطاع ويترك للعمال حق تقرير المصير الشخصي بالعودة في حال توفرت الظروف المواتية من ضمان الحفاظ على حياتهم وعدم تعرضهم للمساس بسلامتهم الجسدية وكرامتهم الإنسانية.
انتهى
19/11/2023
مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية “حريات”
مركز بيسان للبحوث والإنماء
[1] – المصدر وزير العمل، الاجتماع ممثلي مزكز حريات ومركز بيسان مع وزير العمل بتاريخ 7/11/2023، مقر وزارة العمل.
[2] – إفادات العمال لباحثي مركز بيسان ومركز حريات.
[3] – المصدر وزير العمل ، الاجتماع ممثلي مركز حريات ومركز بيسان مع وزير العمل بتاريخ 7/11/2023 ، مقر وزارة العمل.
[4] – https://www.aljazeera.net/news/2023/10/31/%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B7%D8%B9-%D9%81%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88-%D9%82%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B1%D8%B5%D8%AF-%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82%D9%8A-%D9%8A%D9%88%D8%AB%D9%82
[5] – حسب ما أفادت به وسائل الاعلام ومصادر غير رسمية في قطاع غزة.
[6] – إفادات بعض العمال الذين تم التواصل معهم بشكل عشوائي من قبل باحثي مركز بيسان و مركز الدفاع عن الحريات