مقدمة
على نحو ممنهج وصارخ تنتهك سلطات الاحتلال الإسرائيلي قواعد القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان في معاملة الأسرى والمرضى بشكل خاص، وتتعمد عدم الالتزام بالمعايير الدولية لمعاملة الأسرى، وتلجأ لسن القوانين العنصرية للمس بمكانتهم القانونية وتسعى لتضييق الخناق عليهم والانقضاض على حقوقهم ومنجزاتهم وتمنع إطلاق سراحهم بشتى السبل.
ويتضح ذلك عبر سلسلة من الإنتهاكات الجسيمة التي تنتهجها مصلحة السجون تنفيذاً لقرارات الحكومة الإسرائيلية وقوانين الكنيست الإسرائيلي التي تهدف إلى كسر إرادتهم، ومن أبرز هذه الإنتهاكات: الاكتظاظ، سوء التهوية، قلة التعرض للشمس، محدودية وقت الفسحة، نقص التغذية ومواد التنظيف، تعريض الأسرى للإشعاعات، عدم إجراء الفحوصات الطبية الدورية، ممارسة الضغط النفسي والجسدي عليهم، تعريضهم للضرب والتنكيل والتفتيش العاري العزل والرش بالغاز الخانق والحرمان من زيارات الأهل؛ وجميعها عوامل تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الصحية والنفسية للأسرى وتزيد من احتمالات إصابتهم بأمراض مختلفة بالإمكان تلافيها لو توفرت لهم ظروف صحية واعتقالية ملائمة.
أرقام وإحصائيات
حسب توثيق مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية “حريات”، أيلول، 2019 أدت سياسة الإهمال الطبي إلى وفاة 63 أسيراً داخل السجون منذ عام 1967، ثلاثة منهم منذ مطلع العام 2019، وهم الأسير فارس بارود الذي توفي بتاريخ 06/02/2019 بعد أن أمضى 28 عاماً في الأسر، ونصار طقاطقة الذي توفي بتاريخ 16/7/2019 بعد شهر على إعتقاله إثر تعرضه للضرب المبرح والتعذيب والإهمال الطبي، وبسام السايح الذي توفي بتاريخ 08/9/2019 بسبب إصابته بسرطان الدم والعظام وضعف في عضلة القلب، ورفضت سلطات الاحتلال إطلاق سراحه رغم المناشدات والمطالبات الواسعة بفعل القانون العنصري الذي سنه الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 26/12/2018 والذي يحظر إطلاق سراح الأسرى المرضى مطلقاً بذريعة مقاومتهم للإحتلال ووصمهم بالإرهاب، وأسيرين توفوا خلال العام 2018، هما محمد مرشود بتاريخ 09/04/2018 الذي تم اطلاق النار عليه من قبل مستوطن واعتقاله مباشرة، حيث استشهد في مستشفى اسرائيلي في أقل من 24 ساعة من اعتقاله على أثر اصابته البالغة. وعزيز عويس الذي توفي بتاريخ 20/5/2018 نتيجة الإهمال الطبي والضرب والتنكيل، وهؤلاء الأسرى الشهداء تحتجز سلطات الاحتلال جثامينهم وترفض إطلاق سراحهم وتسليمهم لعائلاتهم لدفنهم وفق الأعراف والتقاليد الدينية والوطنية، علماً ان سلطات الإحتلال ما زالت تحتجز جثمان الأسير الشهيد أنيس دولة الذي توفي في السجن بتاريخ 31/08/1980 بعد أن امضى في السجن إثني عشر عاماً.
والعشرات توفوا بعد الإفراج عنهم على خلفية الأمراض التي عانوا منها وهم في الأسر منهم وليد شعث الذي أمضى ثمانية عشر عاماً وتوفي بعد ستة أشهر من الإفراج عنه، وسيطان الولي إبن الجولان السوري المحتل الذي أمضى 23 عاماً وتوفي بعد أقل من ثلاث سنوات من الإفراج عنه،ونعيم الشراونة الذي توفي بعد عامين من إطلاق سراحه في الدفعة الاولى من صفقة التبادل لقدامى الأسرى في 2011 بعد أن أمضى 19 عاماً في السجن ، زهير لبادة الذي توفي بعد أقل من أسبوع على إطلاق سراحه من الاعتقال الإداري، وسعيد شملخ، جميل أبو اسنينه، عاطف أبو بكر، أمجد علاونه، مسلم الدودي، موسى جمعه، عدنان البلبول، زكريا عيسى، زياد حامد، عايد جمجوم وغيرهم العشرات.
بلغ عدد الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي ما يناهز 5700 ، بينهم 700 أسيراً مريضاً يعانون من أمراض مختلفة كما هو موضح في الجدول الآتي:
الأمراض المزمنة 297
السرطان والاورام 13
امراض العيون 21
امراض القلب 30
امراض السكري والضغط 16
امراض الدم والاوعية الدموية 9
شلل 9
أمراض العظام 36
كلى وأمراض باطنية 53
امراض نفسية واعصاب 22
مشاكل تنفسية 20
إصابات بالرصاص
68
ومن أبرز الأسرى المرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة سامي أبو دياك، معتصم رداد، منصور موقده، يسري المصري، علاء الهمص، خالد الشاويش، ناهض الأقرع، رياض العمور، محمد براش، فواز بعاره، إبراهيم علقم، إبراهيم البيطار، مراد أبو معيلق، فؤاد الشوبكي، عادل حريبات، سامي عريدي، محمد مرداوي، نبيل النتشه، إسراء الجعابيص، سعيد البنّا، كامل منصور، سلام الزغل، سعد الدين جبر، ونورهان عواد، أيمن الكرد، كمال أبو وعر وعثمان أبو خرج.
الأسرى في القانون الدولي
أن السياسات التي تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي تؤكد بوضوح مدى استهتار مصلحة السجون الإسرائيلية وطواقمها الطبية بحقوق الأسير الفلسطيني وانتهاكها لأحكام وقواعد القانون الدولي الإنساني وإمعانها في حرمان الأسرى المرضى من الحقوق التي منحتها لهم الصكوك الدولية خاصة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء لعام 1957 الصادرة عن الأمم المتحدة، حيث نصت المادتين 22 و 25 منها على ضرورة توفير طبيب على الأقل مؤهل لكل سجن يكون على معرفة معقولة بالطب النفسي ومكلفاً بمقابلة يومية لجميع السجناء المرضى. فيما أكدت المادة 30 من اتفاقية جنيف الثالثة بشأن أسرى الحرب لعام 1949 الحاجة لتوفير عيادة طبية في كل مركز احتجاز وعنابر لعزل المصابين بأمراض معدية أو عقلية، وضرورة نقل الأسرى المصابين بأمراض خطيرة والذين يحتاجون عمليات جراحية أو رعاية بالمشفى إلى وحدة طبية عسكرية أو مدنية لتلقي العلاج المناسب، كما تؤكد على عرض الأسرى على الأطباء والحصول على تقرير طبي يبين طبيعة الأمراض والإصابة ومدة ونوع العلاج، وتفضل نفس المادة أن يعالج الأسرى أطباء من جنسيتهم أو يتبعون للدولة التي يتبع لها الأسرى . أما المادة 13 من الاتفاقية ذاتها فتنص على أن العلاج يشمل الأسنان والتركيبات الاصطناعية والنظارات على أن تكون تكلفتها على عاتق الدولة الحاجزة . كما أشارت اتفاقية جنيف الرابعة (المادة 85) واتفاقية جنيف الثالثة (المادة 29) والقواعد النموذجية الدنيا (المادة 26) إلى أهمية توفير مرافق صحية تستوفى فيها الشروط الصحية وتراعى فيها النظافة الدائمة.
إن سياسة مصلحة السجون لا تراعي هذه الأحكام القانونية ولا توفر الحد الأدنى من شروط وظروف الاعتقال الملائمة والإنسانية، فالعيادات تفتقر لأطباء مختصين وأدوات وأجهزة طبية. وعيادة سجن الرملة وهي المكان الوحيد المخصص لإقامة الأسرى المرضى، تمارس فيها سياسة المماطلة والتسويف في إجراء العمليات الجراحية اللازمة لهم، إضافة لرحلة العذاب التي يلاقيها الأسرى المرضى أثناء نقلهم في البوسطة والتي تزيد من معاناتهم ولا تراعي خصوصية ظروفهم وحالاتهم المرضية، والأخطر من ذلك تعرضهم في هذه العيادة للمضايقات والاقتحامات والتفتيشات الليلية مما يجعلهم يفضلون البقاء في أماكنهم على الانتقال إلى هكذا عيادة لإجراء الفحوصات الطبية أو الإقامة فيها.
على ضوء هذه الإنتهاكات الجسيمة واستمرار سلطات الاحتلال ممثلة في مصلحة السجون في ممارسة سياسة الإهمال الطبي على الأسرى المرضى، فإننا في مركز الدفاع عن الحريات نطالب بــــ :
1. العمل على الصعيدين الإقليمي والدولي للضغط على الحكومة الإسرائيلية لإطلاق سراح الأسرى المرضى الذين يعانون من امراض خطيرة، وتحميلها المسؤولية الكاملة عن حياتهم، والقيام بملاحقة قانونية فعلية لها لإرغامها على القيام بذلك.
2. ملاحقة الجهات الإسرائيلية المختصة والمسؤولة عن وفاة الأسرى المرضى وسياسة الإهمال الطبي وعن حياة أولئك الذين ترفض هذه الجهات الإفراج عنهم رغم الخطر الذي يهدد حياتهم.
3. العمل مع منظمة الصحة العالمية لتنفيذ قرارها الصادر في آيار 2010. بشأن تحسين الظروف الصحية والمعيشية للأسرى، وتشكيل لجنة تقصي حقائق لهذا الغرض لزيارة السجون الإسرائيلية، وإطلاع المجتمع الدولي على جريمة الإهمال الطبي المتعمد في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
4. تمكين لجان طبية متخصصة من مقابلة الأسرى المرضى لتقديم العلاج المناسب لهم.
5. إجبار الحكومة الإسرائيلية على فتح أبواب السجون أمام الوفود والمؤسسات الدولية ولجان تقصي الحقائق للاطلاع على الظروف الإعتقالية والأوضاع الصحية.
6. توفير ظروف اعتقالية منسجمة والمعايير الدولية ذات العلاقة.
7. توفير العلاج المناسب للأسرى المرضى للتخفيف من معاناتهم.
8. تأمين المساعدة القانونية للأسرى المرضى وتعزيز دور المحامين في هذا الجانب من خلال الحصول على الملفات الطبية وتوفير تقارير أطباء ذوي اختصاص حول الحالة الصحية للأسرى المرضى.
9. إطلاق حملة دولية لإطلاع المجتمع الدولي على معاناة الأسرى المرضى والعمل على إطلاق سراح الحالات المرضية التي تعاني من أمراض خطيرة.