انتفاضة الأسرى انطلقت لتنتصر وستنتصر - مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية

انتفاضة الأسرى انطلقت لتنتصر وستنتصر

196 Views
بقلم حلمي الأعرج
يدخل إضراب الأسرى المفتوح عن الطعام يومه الثامن والعشرين، وملحمة المعتقلين الإداريين يومها السابع والسبعين، وهم أكثر حزماً وتصميماً على المضي به قدماً نحو تحقيق أهدافه وانتزاع مطالبه العادلة في الحرية من الاعتقال الإداري وتحسين شروط الاعتقال. ولن تثنيهم كل إجراءات مصلحة السجون الإسرائيلية الرامية لكسره وإضعاف عزيمتهم ومعنوياتهم بل ستزيدهم قناعة وصلابة في تحدي هذه الإجراءات والتصدي لها، دفاعاً عن حقوقهم وكرامتهم الإنسانية والوطنية مهما كان الثمن ومهما بلغت التضحيات. فمعركتهم التي شرعوا بها في يوم الأسير الفلسطيني، يوم عيدهم الأغر، انطلقت من قناعة راسخة ووعي وطني أصيل وعميق بضرورتها والحاحيتها وانتصارها. وأصبح لا مفر أمامهم من خوض غمارها بكل بسالة وحتى الرمق الأخير، بعد أن بلغت الانتهاكات ذروتها، والقهر والقمع والتنكيل اليومي حدوداً لا تطاق. فشرعوا بمعركة العهد والوفاء وأقسموا لأجلها اليمين وهم يدركون جيداً أنها ستكون الأقسى والأصعب والأهم في تاريخ نضالهم الطويل ضد سياسات مصلحة السجون وحكومة إسرائيل. لأنها تأتي بعد سبعة أشهر من الإضراب الذي خاضه الأسرى في أيلول الماضي لإنهاء العزل الانفرادي بكل ما يعنيه ذلك من خطورة على حياة هؤلاء الأسرى، خاصة الذين انخرطوا مجدداً في هذه المعركة ببسالة منقطعة النظير. وتأتي أيضاً في سياق هجوم غير مسبوق على حقوق الأسرى بهدف الانتقام منهم لتهدئة روع وغضب اليمين والشارع الإسرائيلي إثر صفقة التبادل التي أرغمت فيها الحكومة الإسرائيلية على تحرير 1027 أسيراً وأسيرة بينهم عدد من عمداء الأسرى وذوي الأحكام العالية. وأيضاً في خضم سلسلة من الملاحم البطولية الفردية التي بدأها الأسير الشيخ خضر عدنان وانتهت بالانتصار على قرار اعتقاله إدارياً، وواصل حمل الرسالة هناء شلبي وكفاح حطاب والحاج أحمد علي، والتقط الراية بلال أبو ذياب وثائر حلاحله وحسن الصفدي وعمر شلال وجعفر عز الدين ومحمد التاج ومحمود سرسق وغيرهم، لتتحول إلى ظاهرة تبهر العالم وتخرجه عن صمته المريب تجاه الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق أسرانا.
كما أن مطالب الإضراب الأساسية الثلاث التي أعلنتها اللجنة القيادية المركزية للإضراب والمتمثلة بإنهاء سياسة العزل الانفرادي والسماح لأسرى قطاع غزة زيارة عائلاتهم وإلغاء قانون شاليط وعودة الحياة الاعتقالية لما كانت عليه قبل العام 2000، حيث البت فيها ليس من صلاحيات مصلحة السجون بل من صلاحيات الأجهزة الأمنية والحكومة الإسرائيلية وهو ما يزيد التحدي، فالشاباك الإسرائيلي هو من قرر عزل الأسرى انفرادياً ولمدد طويلة أمثال الأسير محمود عيسى وعبد الله البرغوثي وحسن سلامه وأحمد المغربي وعباس السيد وجمال أبو الهيجا وإبراهيم حامد ومعتز حجازي وأحمد سعدات وعاهد أبو غلمه. والحكومة الإسرائيلية هي من قررت وعلى لسان رئيسها نتنياهو تضييق الخناق على الأسرى التي أعلن على الملأ وأمام وسائل الإعلام العالمية أن على الأسرى أن يعرفوا أنالحفلة قد انتهت. وكذلك تصريحات وزير الداخلية الإسرائيلي الذي أعلن أنه لن يتم تلبية مطلب واحد من مطالب الأسرى حتى لو ماتوا جميعاً. ويقوم القضاء الإسرائيلي ومحكمة العدل العليا باستكمال الدور والمهمة بتشريع الانتهاكات والقتل بحق الأسرى حيث ردت الالتماس المقدم لها من محامي الأسيرين بلال أبو ذياب وثائر حلاحله رغم صعوبة حالتهما الصحية والخطر الذي يتهدد حياتهما.
هذه التحديات التي كانت تواجه الإضراب قبل الشروع به وأثناءه يدركها الأسرى ويحفظونها عن ظهر قلب لكنها لم تمنعهم من خوض غمار المعركة التي انخرط بها الآلاف منهم من كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي دون استثناء ومن مختلف السجون وهم على قناعة راسخة بقدرتهم على تحقيق الانتصار وانتزاع مطالبهم العادلة.
إن سياق المعركة المتواصل وهي على وشك إنهاء أسبوعها الرابع تدلل على ثقة كبيرة بالنفس وتصميم لا محدود على الاستمرار بها وعدم التراجع عنها مهما بلغت التضحيات. فمسارها تجاوز مرحلة اللاعودة وقطعت أكثر من منتصف الطريق نحو النصر ولم يتبق إلا القليل نحو تحقيق أهدافها. ولا شك أن مفاعيلها تجاوزت حدود الوطن إلى المستوى العربي والإقليمي والدولي وهي في طريقها للجمعية العمومية للأمم المتحدة والمجلس الأممي لحقوق الإنسان، ونجحت بجدارة في نقل هذه القضية لمركز الصدارة في الوعي الفلسطيني والاهتمام الدولي الآخذ في التحول نحو الانتصار لها والانتقال إلى ممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإلزامها بتنفيذ مبادئ وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني على الأسرى وبما يلبي مطالب الإضراب العادلة. ونجح الإضراب أيضاً في تدويل قضية الأسرى ووضعها في المكانة التي تستحق وتمكن من كسر الاحتكار الإسرائيلي لها وسلط الضوء عليها بصفتها قضية سياسية ووطنية فلسطينية بامتياز وأن الأسرى هم أسرى حرية ناضلوا من أجل حرية شعبهم واستقلاله ويجب أن يعاملوا على هذا الأساس ووفق مبادئ وقواعد القانون الدولي وأن حلها لا يكون ولن يكون فقط بتحسين شروط الاعتقال وإنهاء سياسة الاعتقال الإداري وكل القضايا التي يعانيها الأسرى على أهمية ذلك في هذه المرحلة بل أن حرية الأسرى وتحريرهم من السجن هي المسألة الملحة والمركزية دوماً وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته ويقوم بدوره على هذا الصعيد. الأمر الذي يعني أن معركة حقوق الأسرى وحريتهم لن تنته مع انتهاء الإضراب بل هي بدأت معه وقبله وينبغي أن نخوضها حتى النهاية بما في ذلك العمل على ترجمة كافة القرارات الصادرة عن اجتماع مجلس الجامعة العربية الأخير. فقد حان الوقت لرفع الظلم التاريخي الواقع على أسرانا وإلزام حكومة الاحتلال ومصلحة السجون بوقف انتهاكاتها بحقهم وتوفير شروط اعتقال لائقة وإنسانية لهم تنسجم مع معايير ومبادئ وقواعد حقوق الإنسان والقانون الدولي برعاية دولية لضمان عدم النكوص أو التراجع عن هذه الالتزامات وهذا يستدعي قيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بتنفيذ قراراته الرامية لتشكيل لجان تقصي حقائق ذات طبيعة دائمة لزيارة السجون الإسرائيلية والإطلاع عما يجري داخلها من أجل توفير الحماية للأسرى، والرقابة على ممارسات وسياسات مصلحة السجون تجاههم لمنع تكرار تعرضهم لأية انتهاكات.
إننا نسجل بكل الفخر والاعتزاز أن أسرانا بجوعهم وتضحياتهم استطاعوا نقل قضيتهم إلى الصدارة وإطلاع العالم على الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحقهم داخل السجون وأثبتوا بما لا يدع مجالاً للشك أن إرادتهم أقوى من إرادة الاحتلال وأقوى من السجن والسجان وأنه مهما بلغت قوة هذا الاحتلال وجبروته فإنه لا يستطيع كسر إرادتهم أو إضعافها فهم طليعة الحركة الوطنية الفلسطينية وعنوان صمودها.
إن هذه البطولات والتضحيات التي يسطرها الأسرى يجب أن لا تنسينا معاناتهم اليومية والخطر الذي يتهدد حياة الكثير منهم خاصة المرضى والأسرى الذين تخطّى إضرابهم عن الطعام الخمسين يوماً والخطر الداهم والمتواصل جراء سياسة مصلحة السجون التي تسعى بالقوة وبكل الأساليب لكسر الإضراب الأمر الذي يستدعي إعلان حالة الاستنفار القصوى على المستويين الرسمي والشعبي وتحشيد واستخدام كل الإمكانيات المتاحة على الصعيد السياسي والدبلوماسي والإعلامي والقانوني لنصرة إضراب الأسرى، فاللحظات التي يمر بها الإضراب الآن مصيرية وحاسمة فالوقت من ذهب وليس أمامنا سوى الالتحام معهم في ملحمتهم البطولية وتوفير كل مقومات النصر لها لتنتصر وستنتصر.
جوال

+970-599641992

شارك هذا الخبر