علاء البدارنه- ترسخ مفهوم العنف ضد المرأة في المجتمع الفلسطيني منذ القدم، نتاج علاقة غيرمتكافئة قائمة على السيطرة واتساع النفوذ تم حسمه لصالح هيمنة الرجل على المرأة، وما رافقها من عادات وتقاليد وأعراف وقوانين عمقت هذه النظرة وأصلتها في تفكير المجتمع، وأنتجت أشكال عدة للعنف ضد المرأة أبرزها العنف داخل الأسرة وفي العلاقة الزوجية والعنف الجنسي والاغتصاب وقتل النساء، وغيرها من أشكال العنف التي تحول دون تمتع المرأة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية التي نص عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان، على قدم المساواة مع شقيقها وأباها وزوجها الرجل لا لسبب إلا لكونها امرأة!. هذه الحقيقة التي تلقي بظلالها عند تناول حجم المعاناة الواقعة على المرأة في المجتمع الفلسطيني نتيجة العنف الممارس ضدها على اختلاف مستوياتها الثقافية والاجتماعية والطبقية، فالمعاناة الجسدية والنفسية والجنسية التي تتكبدها المرأة تبدأ من العائلة وتمتد إلى الحياة الزوجية وحياتها الخاصة والعامة.
أمام هذا الواقع هل من الممكن البقاء بعيداً عن التطور الجاري في قيم الحضارة الإنسانية والمنظومة الأخلاقية للمجتمعات المتحضرة، التي أصبحت فيها قيمة المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة من القواعد الراسخة في المجتمع، لدرجة استحالة الالتفاف عليها بدعوى احترام العادات والتقاليد والقيم العشائرية، وهذا بسبب تدخل الدولة بالفرد وقرارها بإعادة إنتاج ثقافة المجتمع وخلق منظومة قانونية قائمة على أساس المساواة بين الجنسين وصاغت النصوص العقابية الصارمة التي تردع كل من يفكر باختراقها، وامتد هذا الأمر من الدولة إلى المجتمع الدولي والعكس صحيح وانضمت مجموعة كبيرة من الدول ومنها دولة فلسطين إلى العديد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي من شأنها ضمان تمتع المرأة بحقوقها ومنها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة.
بعد هذا الانضمام الإيجابي لدولة فلسطين إلى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان عام 2014 الذي يعكس نوايا الحكومة الفلسطينية لإحداث التغيير، إلا أن واقع التمييز ما زال قائماً ضد المرأة الفلسطينية ولم تتمكن من التمتع بكافة الحقوق التي نصت عليها هذه الاتفاقيات، وهذا يعود إلى جملة من الأسباب ومنها عدم رغبة الإدارة الاصطدام مع العادات والتقاليد التي ترفض التدخل بشؤون العائلة والحياة الزوجية بالإضافة إلى إعطاء الأولوية لقداسة العائلة واستمرار الحياة الزوجية على حساب معاناة المرأة حيث تجبرها هذه المعادلة أن تكون ضحية الحفاظ على هذه القداسة القائمة على أساس تعنيف الرجل لها لدرجة فقدانها الحياة في بعض الاحيان، كل هذا مع عدم توفرالسبل القانونية لمحاسبة الفاعلين وجبر الضرر الواقع عليها وإعادة تأهيلها نفسيا لتعزيز قدرتها على الاستمرار بالحياة، أمام هذا الواقع نعتقد أن ممارسة العنف ضد النساء القائم على أساس التميز واستمرار مشاهدة المستوى الرسمي لآثاره يعتبر شكل من أشكال التعذيب وسوء المعاملة، وهذا الاعتقاد سوف نناقش مدى صحته بقراءة تعريف التعذيب بالمادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب والتعليقات العامة عليها من قبل لجنة مناهضة التعذيب.
عرفت المادة الأولى التعذيب على أنه “أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أخر يتصرف بصفته الرسمية.
ويعتبر مبدأ عدم التمييز مبدأ أساسياً وعامّاً في حماية حقوق الإنسان وجوهرياً لتفسير الاتفاقية وتطبيقها ويندرج جانب عدم التمييز ضمن نطاق تعريف التعذيب بحد ذاته في المادة 1 من الاتفاقية التي تحظر صراحة أفعالاً محدده حينما تنفذ “لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أياً كان نوعه” وتؤكد اللجنة أن استخدام العنف أو الإيذاء النفسي أو البدني على نحو تمييزي هو عامل مهم في تحديد ما إذا كان الفعل تعذيباً.( ت 2ف 20 )
ايضا تشكل حماية بعض الأقليات أو الأفراد أو السكان المهمشين المعرضين بصفة خاصة لحظر التعذيب جزءاً من الالتزام بمنع التعذيب وإساءة المعاملة ويجب أن تكفل الدول الأطراف انطباق قوانينها في الممارسة الفعلية على جميع الأشخاص بصرف النظر عن العرق أو اللون أو الانتماء العرقي أو السن أو التوجه السياسي أو التوجه الجنسي أو هوية حامل صفات الجنس الآخر أو العوق العقلي أو غيره من حالات الإعاقة أو الوضع الصحي أو الحالة الاقتصادية وغيرها…..( ت2 ف21)
في السياق ذاته ذكرت لجنة مناهضة التعذيب في التعليق العام (رقم 2.ف 22.) أنه كثيراً ما تفتقر تقارير الدول إلى معلومات محدده وكافية عن تنفيذ الاتفاقية فيما يتعلق بالمرأة وشددت اللجنة على أن المرأة عامل رئيسي ويتقاطع طابعها الأنثوي مع الخصائص الأخرى التي تميز المرأة أو وضعها مثل العرق، والقومية، والتوجه الجنسي، والسن، ووضعها كمهاجرة، وما إلى ذلك، من أجل تحديد الطرائق التي تخضع بها النساء والفتيات لأعمال التعذيب أو إساءة المعاملة التي تكون بها عرضة لهذا الخطر والآثار المترتبة عن ذلك، وتشمل السياقات التي تتعرض فيها المرأة لخطر الحرمان من الحرية والعلاج الطبي ولا سيما عندما ينطوي الأمر على قرارات تتعلق بالإنجاب والعنف الممارس ضدها من قبل جهات فاعلة خاصة في المجتمعات المحلية وفي المنزل.
بالممارسة التطبيقية القريبة لواقعنا الاجتماعي والقانوني طالبت لجنة مناهضة التعذيب بقائمة المسائل السابقة لتقديم الأردن لتقريرها الدوري الثالث التي اعتمدتها اللجنة في دورتها التاسعة والأربعين بتاريخ (29 أكتوبر-23 نوفمبر 2012 من الأردن تقديم معلومات على ضوء الملاحظات الختامية للجنة وعلى ملاحظات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان واللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة حول ما يلي:-
- التدابير المتخذة لكفالة التحقيق فوراً بصورة محايدة وفعالة في ادعاءات العنف المنزلي، خصوصاً ضد النساء والفتيات ومحاكمة الجناة ومعاقبتهم بأحكام تتناسب مع جسامة جرائمهم وتقديم معلومات عن عدد الشكاوى والتحقيقات والملاحقات القضائية (بما في ذلك نوع العقوبات ومدتها عند الانطباق).
- التدابير المتخذة لضمان وضع تدابير تحمي النساء والفتيات من الانتهاكات في سياق العنف المنزلي، بما في ذلك توفير المأوى وخدمات الإرشاد على نحوٍ كافٍ وفقاً لمعايير ملائمة، فضلاً عن توفير التدريب في مجال العنف المنزلي للموظفين (القضاة، المدعون العامون، وأفراد الشرطة) وإبلاغ اللجنة بالتدابير المتخذة لتشجيع التوعية بحالات العنف المنزلي وتشجيع ضحاياه على البلاغ عنه.
- ما إذا كانت الدولة الطرف قد اتخذت خطوات للاستعاضة عن ممارسة “الحبس الاحتياطي” بتدابير أخرى تضمن حماية النساء وعدم المساس بحرياتهن.
- تقديم معلومات عن حالة القانون المتعلق بالعنف المنزلي، والجرائم المرتكبة باسم الشرف والاغتصاب، والعنف ضد النساء، وتقديم معلومات تتعلق على وجه الخصوص بما يلي:-
- ما إذا كانت الدولة الطرف قد عدلت الأحكام المنطبقة من قانون العقوبات لضمان استفادة مرتكبي جرائم الشرف من تخفيف العقوبة بموجب المادة 340 وضمان عدم استفادة مرتكبي جرائم الشرف المتعمدة مع سبق الإصرار من تخفيف العقوبة بموجب المادة 98 وضمان عدم انطباق المادة 99 على جرائم الشرف أو الحالات الأخرى التي يكون فيها مرتكب الجريمة من أقارب الضحية.
- ما إذا كانت الدولة الطرف قد اتخذت إجراءات لسحب حكم إسقاط التهمة الواردة في المادة 308 من قانون العقوبات وضمان عدم فرار مرتكب الاغتصاب من العقوبة بالزواج من ضحيته.
ج- توضيح ما إذا كان قانون الحماية من العنف الأسري الصادر عام 2008 يشمل العنف ضد النساء في جميع البيئات وما إذا كان يتضمن تعريفا للعنف وأسساً لمنع العنف وحماية النساء .
بناءً على ما ذكر أعلاه فإن الدول الأعضاء بالاتفاقية تتحمل المسؤولية عن الأفعال التي يقوم بها أو يمتنع عن القيام بها مسؤولوها وغيرهم بمن فيهم الوكلاء والمتعاقدون الخاصون وغيرهم ممن يتصرف بصفة رسمية أو يتصرف باسم الدولة بالاقتران معها وبموجب توجيهاتها أو تحت سيطرتها أو بصفة أخرى تحت مظلة القانون، وبناءً على ذلك ينبغي على كل دولة طرف أن تحظر التعذيب وإساءة المعاملة وتمنعها وتجبر الأضرار الناجمة عنها في جميع سياقات احتجاز الأفراد أو وضعهم تحت الرقابة، مثلما هو الحال في السجون والمستشفيات والمدارس والمؤسسات التي تعمل في مجال رعاية الأطفال والمسنين أو المصابين بأمراض عقلية أو المعوقين وفي الخدمة العسكرية وفي المؤسسات الأخرى، فضلاً عن السياقات التي يؤدي عدم تدخل الدولة فيها، إلى تشجيع وتعزيز خطر إلحاق الضرر من جهات خاصة.(ت2ف15)
كما أن الدول الأطراف ملزمة باعتماد تدابير فعاله لمنع السلطات العامة والأشخاص الآخرين الذين يتصرفون بصفة رسمية من ارتكاب أعمال التعذيب كما هي معرفة في الاتفاقية أو التحريض عليها أو الحث عليها أو تشجيعها أو قبولها مباشرة أو المشاركة فيها أو التورط فيها بأي طريقة أخرى وعليه ينبغي أن تتخذ الدول الأطراف تدابير فعاله لمنع هذه السلطات أو الجهات الأخرى التي تتصرف بصفة رسمية أو تحت مظلة القانون من الموافقة على أي عمل من الأعمال أو السكوت عنه، وخلصت لجنة مناهضة التعذيب أن الدول الأطراف تنتهك الاتفاقية عندما تعجز عن الوفاء بهذه الالتزامات (ت2ف17)
كذلك إذا عرفت سلطات الدولة أو الجهات الأخرى التي تتصرف بصفة رسمية أو تحت مظلة القانون بوجود موظفين غير حكوميين أو أطراف فاعلة خاصة ترتكب أعمال التعذيب أو إساءة المعاملة أو كان لدى هذه السلطات أو الجهات من الأسباب المعقولة ما يدفع إلى الاعتقاد بارتكابها وعجزت عن ممارسة العناية الواجبة لمنعهم ومقاضاتهم ومعاقبتهم بما يتفق وأحكام الاتفاقية فإن الدول تتحمل مسؤولية ذلك، وينبغي اعتبار موظفيها مرتكبي هذه الأعمال غير المسموح بها أو متواطئين في ارتكابها أو مسؤولين بهذا الشكل أو ذاك بموجب الاتفاقية عن قبولها أو السكوت عنها. (ت2ف18)
أخيراً نرى أن مفهوم جريمة العنف ضد النساء مع اختلافه عن تعريف جريمة التعذيب إلا أن العنف يمكن أن يرتقي لمستوى التعذيب في حال ارتكب من الدولة أو حرضت عليه أو وافقت عليه أو في حال سكوتها عن اتخاذ إجراءات وتدابير إدارية وتشريعية وقضائية من شأنها تجريم العنف ضد النساء والفتيات، القائم على أساس التمييز، على سبيل المثال عدم كفالة التحقيق الفوري بصورة محايدة في ادعاءات العنف المنزلي أو تمكين النساء المعنفات من اللجوء إلى العدالة من أجل محاكمة الجناة ومعاقبتهم. وعليه فإن عدم ممارسة الدولة العناية الواجبة للتدخل لوقف أعمال التعذيب ومعاقبة مرتكبيها وتوفير سبل انتصاف لضحاياها يسهل على الجهات من غير الدولة ارتكاب أفعال غير مسموح بها بموجب الاتفاقية، والإفلات من العقاب ويمكن هذه الجهات من ارتكابها، فإن لا مبالاة الدولة أو تقاعسها يوفر شكل من أشكال التشجيع و/أو الترخيص الفعلي لارتكابها، وقد طبقت لجنة مناهضة التعذيب هذا المبدأ على الدول الأطراف التي تعجز عن منع العنف القائم على أساس الجنس كالاغتصاب والعنف المنزلي، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث والاتجار بالأشخاص وحماية ضحاياه.(ت 2ف18 )
المحامي علاءالبدارنه
مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية “حريات”