ورقة صادرة عن مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية
نحن، الموقعين أدناه، أعضاء مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، إذ ننطلق من مسؤوليتنا حيال أزمة التمويل الراهنة التي تعصف بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) وتداعياتها، ننتهز هذه الفرصة لنعبّر عن قلقنا العميق من هذه المستجدات. إننا، إذ نعبّر عن اهتمامنا الشديد في متابعة الأمر؛ فإننا ندعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الأزمة الراهنة، والى إعادة النظر وعلى وجه الاستعجال في المنهجية التي تعتمدها هيئة الأمم المتحدة وأسرة المجتمع الدولي تجاه مسؤولية توفير الحماية للاجئين الفلسطينيين، الذين بات تعدادهم يتخطى السبعة ملايين لاجئ في هذه الآونة.
لقد أفضى هذا العجز المزمن في التمويل – والذي بلغ 101 مليون دولار أمريكي في الموازنة الأساسية اللازمة لتنفيذ البرامج الأساسية للأنروا ناهيك عن العجز الهائل في الموازنات المساندة الأخرى – من ضمن أشياء أخرى، إلى تعاظم التوجه الى تأجيل بدء العام الدراسي وبالتالي تعطيل التحاق نصف مليون طالب فلسطيني في عموم منطقة الشرق الأوسط بمدارسهم (منهم 320 الف في الارض المحتلة عام 1967)، ووقف 23 ألف موظف تقريباً عن العمل ضمن ما صار يعرف بالإجازة القسرية غير المدفوعة (منهم 60% في الارض المحتلة عام 1967). وبدون انتقاص أو تقليل من حقوق عاملي الأونروا الذين ستمس هكذا اجراءات بحقوقهم؛ إلا أنه ليس من المنصف مطلقاً أن يتحمل اللاجئون الفلسطينيون تبعات أزمة الموازنة التي تعاني الأونروا منها. فالحق في التعليم وفي الحصول عليه ليس مجرّد حق أساسي من حقوق الإنسان، بل هو لبنة أساسية لا يُستغنى عنها لإقامة مجتمع صحي، مستقر يمتاز بفاعليته وحسن أدائه. في هذا الإطار، لا يقلّ تقديم خدمة التعليم في أهميته عن تقديم الخدمات الإنسانية الضرورية الأخرى. فتأجيل العام الدراسيّ المقبل لا يمثل مأساة تحدق بكل طالب من الطلبة الفلسطينيين فحسب، بل ينمّ عن شكل غير مباشر من أشكال العقوبة التي توقع على عموم أبناء الشعب الفلسطيني. وفضلاً عن ذلك، فمن شأن فجوة التمويل التي تشهدها وكالة الأونروا في هذه الآونة أن تضيف المزيد من الضغوط على كاهل الدول المضيفة في مناطق عمل الأونروا الخمس، التي تعمل بأقصى طاقاتها وقدراتها وتعاني هي الأخرى من عجز مزمن في التمويل الذي يلزمها لتوفير الحماية الواجبة للاجئين الذين يعيشون على أراضيها. إن الإجراءات المعلنة من قبل الأونروا قد تبدو من الناحية الإدراية الصرفة معالجة لأزمة مالية، ولكنها في الجوهر والأثر تنتهك حقوق اللاجئين الأساسية ولا تتفق مع الصلاحيات والمسؤوليات المنوطة بالأونروا، فهي لا تُلحق الضرر باللاجئين على أرض الواقع فحسب، بل تشكّل سابقة سياساتية خطيرة تتمثل في قدرة الأنروا مستقبلاً على تجريد نفسها وبصورة تدريجية من المسؤوليات الملقاة على عاتقها تجاه اللاجئين المكلفة بتقديم الخدمات لهم.
في الحقيقة، إن ولاية الأونروا بمسؤولياتها الحالية أضيق من نطاق الحماية الدولية الواجبة للاجئين بموجب القانون الدولي، وعليه، ينبغي التأكيد هنا أن معايير الحماية الدولية يجب أن تشمل توفير الحماية الفيزيائية (أي الأمن والأمان)، والحماية القانونية (أي ضمان التمتع بحقوق الإنسان وتحقيق حلّ عادل ودائم، وحماية الممتلكات، واتخاذ كافة السبل لضمان عدم تكرار الفعل الجرمي من خلال المساءلة والمحاسبة لمرتكبي الجرائم الدولية والتي تشمل جريمة التهجير)، والحماية الإنسانية (توفير الحقوق الانسانية الأساسية من إغاثة، ومأوى، ورعاية صحية، وتعليم أساسي).
وبرغم محدودية ولاية ومسؤوليات الأونروا بالقياس إلى معايير الحماية الدولية؛ إلا أنه لا ينبغي التقليل من شأن الأهمية التي تكتسيها بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين. فحسبما ورد في الأبحاث الميدانية، التي أجرها مركز بديل – المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين، مع اللاجئين الفلسطينيين خلال العام 2015 في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان، صرح هؤلاء اللاجئون بأن الافتقار إلى المساعدات الإنسانية أو غيابها يشكل أهم الثغرات الملحّة التي تعتري الحماية الواجبة لهم. وفي المقابل، أفاد ما نسبته 89% من اللاجئين الذين شملهم المسح في هذه المناطق الأربعة بأن هذه الثغرة تفرز أثراً لا يمكن إغفاله على حالة الاستقرار في عموم منطقة الشرق الأوسط. ولذلك، يحتلّ الدور القيادي الذي تضطلع وكالة الأونروا به في معالجة هذه الثغرة أهمية قصوى لا يُستهان به كما تؤكد الغالبية الساحقة من اللاجئين الفلسطينيين. وعلاوةً على ذلك، يرى اللاجئون الفلسطينيون – ولا سيما المقيمون منهم في قطاع غزة والضفة الغربية – بأن الوكالة تتميز بدرجة متقدمة من الفعالية والكفاءة في معالجة هذه الفجوة التي تشوب تقديم المساعدات الإنسانية لهم.
وبناءً على ما تقدم، يشكّل الواجب الذي يملي على وكالة الأونروا أن تفي بالالتزامات الملقاة على عاتقها النقطة التي ينبغي أن ينطلق منها أي خطاب بشأن المأساة التي لم تزل تعصف باللاجئين الفلسطينيين. ولهذه الغاية، تقع المسؤولية عن تمكين وكالة الأونروا من تقديم الخدمات الضرورية على عاتق هيئة الأمم المتحدة وسائر الدول، وليس فقط الدول المضيفة. وفي كل الاحوال، لا يتحمل اللاجئون أنفسهم هذه المسؤولية ولا يجب أن يلقى بتبعات التقصير عليهم. ولذلك، يعيد أعضاء مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية التأكيد على الأهمية القصوى التي يكتسيها توفير القدر الكافي من التمويل لوكالة الأونروا بما يتيح لها الوفاء بمسؤولياتها الأساسية وتفادي زيادة الأعباء على كاهل الحكومات الوطنية في الدول التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين. ويقتضي هذا الوضع، بطبيعة الحال، أن يتم التعامل مع أزمة التمويل الراهنة – التي نجمت عن تقصير جسيم في الوفاء بالمساهمات الطوعية التي تدفعها الدول الأعضاء، والتي تقترن بتزايد أعداد اللاجئين الفلسطينيين واستفحال معدلات الفقر في أوساطهم وغياب الحماية الدولية التي يستحقونها – باعتبارها على رأس سلم الأولويات التي على الجمعية العامة للأمم المتحدة وأمينها العام معالجتها.
ومع ذلك، تظهر المستجدات التي شهدناها مؤخراً أن الأزمة الراهنة تتجاوز مسألة تدفق النقد بشوط بعيد. فعوضاً عن ذلك، تميط هذه المستجدات اللثام عن توجه يعتريه القصور في أساسه ولا يضمن أبسط شروط الاستدامة أو الاستقرار على الإطلاق في حماية اللاجئين الفلسطينيين. وبالتأكيد، فلا ينبغي أن يتمحور السؤال المُلحّ حول الطريقة التي يمكن من خلالها الوفاء بالزيادة المضطردة التي يشهدها الطلب على الخدمات الأساسية، وإنما في كيفية تقليص هذا الطلب من خلال إيجاد حل دائم لمأساة اللجوء الفلسطيني وفقاً للقانون الدولي، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948، وقرار مجلس الأمن رقم 237 لعام 1967. وضمن هذا السياق، يجب أن يشتمل منهج تقليص الطلب على الخدمات الأساسية، بالضرورة، على معالجة حالات التهجير الثانوية التي يتعرّض لها اللاجئون الفلسطينيون من الدول المضيفة، والتي تفرز – حسبما نراه في سوريا وقطاع غزة – معاناة إنسانية تلحق بمجموع هؤلاء اللاجئين وتستنزف الموارد الإنسانية الشحيحة أصلاً لدى السلطات المحلية.
ونتيجةً لذلك، يعاني اللاجئون الفلسطينيون من قصر نظر مشترك تجلّى في صورة قصر الحماية الواجبة للاجئين بالتركيز على معالجة الأعراض التي ما تفتأ تشهد تفاقماً مضطرداً على حساب أي مساعٍ متضافرة تُعنى بمعالجة الأسباب الجذرية التي يفرزها التهجير، أو بتيسير التوصل إلى حلٍّ عادل ودائم لمأساة اللاجئين الفلسطينيين، التي طالت وفاقت أزمات أقرانهم من اللاجئين. ويستدعي هذا الحل الجمع ما بين الاستجابة الإنسانية والاستجابة القانونية، وتعزيزهما ورفدهما بدعم سياسي تام وكامل.
لقد اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذه الحاجة عقب النكبة التي حلّت بالفلسطينيين في العام 1948 مباشرة، وعكست الجمعية هذا الاعتراف في التشكيلة المتكاملة، أو ما يعرف بنظام الحماية الخاص باللاجئين الفلسطينيين، الذي شكلته من وكالات الأمم المتحدة – والذي تألف من لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووكالة الأونروا – بغية ضمان توفير الحماية الواجبة للاجئين الفلسطينيين. وقد أسهم المجتمع الدولي في قصور هذا النظام وفشله، من خلال إحجامها في بادئ الأمر عن تقديم دعم مُجْدٍ للجنة التوفيق بشأن فلسطين وعدم مساندة ولايتها التي تُعنى بالتوصل إلى حل سياسي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، ومن خلال تقصيرها الجماعي الذي شهدناه مؤخراً في عدم تطبيق المادة 1 (د) من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1951 بصورة عادلة ومنتظمة في المحاكم المحلية، ومن خلال العجز المزمن الذي نراه الآن في تمويل أعمال وكالة الأونروا.
إن المطلوب يكمن في اجتراح حلّ عادل ودائم يحدد الأسباب الجذرية التي تقف وراء حالة استمرار تهجير الفلسطينيين وتدني مستويات المعيشة الرديئة التي يحياها اللاجئون الفلسطينيون، ومعالجة هذه الأسباب. وينبغي لهذا الحلّ أن يتجاوز مجرد الاعتراف بالحقوق غير القابلة للتصّرف للاجئين الفلسطينيين بالأقوال لتجسيدها وإعمالها بالفعل على أرض الواقع كذلك.
ولا يمكن لهذا الأمر أن يبصر النور إلا بوجود وكالة دولية تكرّس نفسها لإيجاد هذا الحل، بحيث تؤدي العمل المرسوم لها على الوجه الأكمل وتحظى بدعم تام ومتكامل ييسر لها التوصل إليه. ولذلك، فهناك حاجة واضحة وملحّة لإنعاش لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين وإعادة إحيائها، أو توسيع الولاية الحالية لولاية الأونروا بصورة رسمية. وفي هذا الإطار، تشير الأبحاث التي أعدها مركز بديل مؤخراً إلى أن هذا الخيار الأخير يتمتع بدعم قوي في أوساط اللاجئين الفلسطينيين، ولا سيما في الضفة الغربية.
وإلى حين إنفاذ هذا الحلّ، فلا غنى على الإطلاق عن الدور الذي تؤديه الأونروا في تقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين، وهو دور يستدعي توفير ما يكفيه من التمويل على جناح السرعة. وفي الوقت الذي نشهد فيه استمرار أزمة التمويل الراهنة، تتواصل بموازاة هذه الأزمة مجموعة ممتدة من المصاعب والمشاق التي يكابدها اللاجئون الفلسطينيون.
وفي ضوء ما تقدم، يدعو أعضاء مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية:
1- المفوض العام للأونروا، السيد بيير كرينبول، إلى إعادة النظر في نطاق تركيز الوكالة على تنفيذ التدابير الطارئة والاقتطاعات التي تُجريها على الخدمات الأساسية، وأن تركّز بدلاً من ذلك على تحديد وتجنيد مصادر تمويل طويلة الأمد بغية تجاوز هذا العجز.
2- السيد بان كي مون، بصفته الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس المجلس التنفيذي لتنسيق تمويل وبرامج وكالات الامم المتحدة، إلى دراسة جميع التدابير المتاحة، بما فيها تخصيص جزء من موازنة الأمم المتحدة العامة، لمعالجة العجز الذي تعاني منه موازنة وكالة الأونروا على وجه السرعة، وتمكينها بالتالي من الوفاء بولايتها وإنفاذها.
3- المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى إيلاء العمل على جسر الفجوة التي تشوب الحماية القانونية، والتي يعاني اللاجئون الفلسطينيون منها على مدى ردح طويل من الزمن أولوية تتبوأ موقع الصدارة في عمل المفوضية.
4- الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى دراسة إصدار قرار يعنى بضمان توفير الموارد المالية الكافية لوكالة الأونروا لكي تتمكن من تنفيذ مسؤولياتها. وفي هذا المقام، يجب ان يأخذ هذا القرار في الاعتبار النمو الطبيعي للاجئين الفلسطينيين والحاجة الى توسيع ولاية ومسؤوليات الأونروا.
5- السيد الرئيس محمود عباس – ومن خلال جامعة الدول العربية ومنظمة مؤتمر العالم الإسلامي ودول عدم الانحياز – إلى صياغة قرار ورفعه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحيث ينصّ على جعل موازنة الأونروا الأساسية اللازمة لتنفيذ البرامج الأساسية جزءاً من المساهمة الإلزامية الواجبة على الدول الأعضاء وذلك، لضمان استقرار واستدامة موازنة الأونروا أسوة بغيرها من الوكالات الدولية المتخصصة، ولتجاوُز الوضع الراهن المتمثل في أن 97% من موازنة الأونروا الأساسية تعتمد على مساهمات الدول والمنح الطوعية.