تفاجأ مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية بتعميم صادر عن الإدارة العامة للوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة، بتاريخ 15 كانون الأول 2020، والذي جرى تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأثار استهجان ورفض قطاعات واسعة من أبناء شعبنا. كما صدرت بيان مؤسف عن وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة حوله بتاريخ 19 من الشهر نفسه ليؤكد صحة الوثيقة المسربة ويحاول التخفيف من وقع تسريبها.
مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية يتقدم من شعبنا الفلسطيني بأحر التهاني والتبريكات بحلول أعياد الميلاد المجيدة، متمنيا له ميلاداً مجيداً وأعياداً مباركة، ويؤكد على أن ما ورد في التعميم المشار إليه آنفاً ينطوي على تمييز مرفوض بين الفلسطينيين على أساس معتقداتهم، وينطوي على تقييد لحق المواطنين الفلسطينيين، ممن يعتنقون الديانة المسيحية في ممارسة شعائرهم والاحتفال بالمناسبات الدينية والاجتماعية بحرية تامة. ويشدد مجلس المنظمات على أن ما تضمنه التعميم خطاب خارج عن قيم وثقافة وتاريخ شعبنا الفلسطيني، وهو خطاب ينتمي لثقافة التطرف والتخلف التي تراجعت عنها حتى تلك الدول التي صدرتها في السابق إلى المنطقة.
إن توقيت إصدار هذا التعميم وهذا “الاهتمام” بالاحتفالات برأس السنة وأعياد الميلاد، في ظل الظروف التي يمر فيها الشعب الفلسطيني، ولاسيما في قطاع غزة الذي يرزح تحت ظروف بالغة السوء، بفعل الحصار وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وفي ظل انتشار وباء كورونا على نحو مخيف في قطاع غزة، يثير تساؤلات كبيرة حول دوافعه. ففي الوقت الذي كنا ننتظر فيه تأكيداً وتعزيزاً للخطاب الذي ينبري لتوعية الناس بالوباء ومخاطره وحث المواطنين على اتباع إجراءات السلامة والوقاية، وتظهير الموقف الشرعي تجاه خطورة التساهل مع تلك الإجراءات، وتعزيز اللحمة الداخلية في المجتمع بمختلف مكوناته، يصبح الاحتفال بأعياد الميلاد ومنعها ومحاربتها أولوية لدى هؤلاء، على الرغم من أن انتشار كورونا، وبكل أسف الوباء كفيل بالحد من مظاهر الاحتفال والتجمع حتى في مدينة بيت لحم ذاتها مهد سيدنا المسيح عليه السلام، وهو الاحتفال الذي يشارك فيه عموم الشعب الفلسطيني بكل مكوناته الرسمية والشعبية والأهلية.
إن مجلس المنظمات إذ يعيد التأكيد على أن حرية الفلسطينيين في الرأي والمعتقد وفي ممارسة شعائرهم الدينية كانت على الدوام، تاريخاً وحاضراً، أهم عناوين وحدة وتماسك الشعب الفلسطيني بكل أطيافه الدينية والفكرية، كما شكلت أحد أهم مقومات صمود شعبنا بتضامنه وتسامحه، وقد تجسد ذلك منذ أيام قليلة عندما حال مواطن فلسطيني دون تمكن قطعان المستوطنين من الاعتداء على كنيسة الجثمانية، إحدى مقدساتنا الدينية في القدس، وما تاريخنا إلا تجسيد لوحدة الدم والمصير وتعزيز الصمود على أرضنا، وهو ما نص عليه القانون الأساسي الذي أكد على حق الفلسطينيين وحريتهم المطلقة في العقيدة وممارسة الشعائر الدينية.
إن مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية إذ يستنكر التعميم آنف الذكر، فإنه يؤكد على أن من يقف وراءه ينتهك العرف والقانون ويمس بوحدة شعبنا الذي يكفيه ما يعانيه من انقسام سياسي، وأن أصحاب هذا الفكر المتطرف والغريب عن شعبنا، هم من يعطون الذرائع ويتسببون في وصم القطاع بالتطرف وغيرها من الصفات المجافية للواقع.
مجلس منظمات حقوق الإنسان يطالب بالتحقيق في هذا التعميم وفي أي ممارسات على الأرض ترتبت عليه ومحاسبة من يقفون وراءه لانتهاكهم أبسط مقومات ممارسة الوظيفة العمومية بانتهاكهم للقانون الأساسي الذي هو بمثابة الدستور المؤقت للشعب الفلسطيني، والعمل على تنحية أصحاب الفكر المتطرف من منتهكي القانون عن تولي الوظيفة العمومية التي يعد من أول شروط توليها هو احترام القانون وقيم الشعب الفلسطيني وتراثه.