مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية
أثار قرار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بسحب تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) البواعث الكامنة لدى شعوب العالم الحر بعدم الثقة بدور الأمم المتحدة في الحفاظ على الأمن والسلم على المستوى الدولي، والشك بمدى قدرة المنظومة الأممية على الانسجام مع ذاتها ومع مبادئها الحامية لحقوق الإنسان وكرامته الإنسانية والالتزام بها بحيادية وموضوعية، بشكل يضمن الشفافية والمصداقية واستخدام معايير قانونية واحدة وثابتة عند تناولها قضايا تتعلق بانتهاكات القانون الدولي وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، خصوصاً بعد استقالة ريما خلف الأمينة التنفيذية للجنة (الاسكوا) دفاعاً عن موضوعية التقرير وتأكيداً على التزام الفريق المعد له بالأسس العلمية والمنهجية والقانونية لإعداد التقارير من جانب الأمم المتحدة والهيئات المتخصصة التابعة لها.
هذا القرار من قبل الأمين العام للأمم المتحدة جاء بعد شهر من اللقاء الذي جمع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بواشنطن بمنتصف شهر فبراير الماضي والذي أوضح أسس الانحياز الأمريكي لصالح إسرائيل بطريقة فجة ومبالغ بها في العهد الترامبي، وأهم نقاط جدول الأعمال التي تم نقاشها كانت اختراق الأمم المتحدة لصالح إسرائيل وتعزيز دور إسرائيل في المنظمة الأممية خصوصا بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2334 ضدها بخصوص الاستيطان والضغط الذي يمارس عليها في مجلس حقوق الانسان .
الترجمة العملية للاختراق المعلن تجسدت باستجابة الأمين العام للضغوط الأمريكية ومحاولته منح دور قيادي لإسرائيل في المنظمة الأممية باقتراح تعيين تسيبي ليفني كنائبة للأمين العام لأمم المتحدة مقابل الموافقة الامريكية على اقتراح تعيين سلام فياض موفداً أممياً إلى ليبيا، ومن المؤكد أن اقتراح الأمين العام غوتيريش تعيين شخصية فلسطينية وأخرى إسرائيلية يهدف إلى تمرير سلس لاختراق قيادي في الأمم المتحدة لصالح دولة الاحتلال وهذا الأمر بمثابة تأكيد واضح على انحيازه الشخصي للموقف الإسرائيلي الأمريكي، وأكد هذا الانحياز بقراره سحب تقرير الاسكوا الذي بمضمونه يتحدث بأن إسرائيل ماضية في فرض نظام الفصل العنصري (الابارتهايد) على الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وان كان هذا الموقف لايؤثر على جوهر التقرير و موضوعيته،فانه يدق ناقوس الخطر للمدافعين عن حقوق الانسان حول العالم لضرورة التصدي للتوجهات الامريكية الرامية الى الالتفاف حول قرارات الأمم المتحدة التي تؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني الغير قابلة للتصرف .
الحقيقة تفيد بأن مجرد اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة تقليد منصب قيادي لممثل دولة الاحتلال الإسرائيلي في الأمم المتحدة يعكس ازداوجية المعايير في التعامل مع مقاصد وأهداف الأمم المتحدة ويعد شكل من أشكال الانحياز للمواقف الإسرائيلية لتبرير استمرار وجودها غير الشرعي في الأراضي الفلسطينية كسلطة محتله، ويعتبر بمثابة مكافأة لدولة الاحتلال على جرائمها المقترفة بحق الشعب الفلسطيني المحتل وعلى ضربها بعرض الحائط لكافة قرارات الشرعية الدولية التي نصت عليها الأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة، والتي أكدت على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والانسحاب الفوري منها ونصت على حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره السياسي وإقامة دولته المستقلة.
الجدير بالذكر أن تقرير الاسكوا موضوعياً وأعدّ وفق الاصول ومستند لتعريف التمييز وفق ما جاء في الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري، بعد تشخيص الواقع وتحليل المنظومة القانونية الإسرائيلية، فلم تكن ريما خلف والطاقم العامل معها أعداء لدولة إسرائيل كما ادعى ممثلها في الأمم المتحدة، بل على العكس إسرائيل تعادي كل القيم الأخلاقية عندما تدعي أنها دولة ديمقراطية وأنها دولة قائمة على سيادة القانون، فممارستها الديمقراطية محصورة حسب العرق أو الدين ولا تتسع لتشمل العناصر الأخرى المكونة للمجتمع و باستمرار الاحتلال للشعب الفلسطيني تكون هذه الفئات منفية خارج القيم الديمقراطية.
إن مبدأ سيادة القانون في دولة إسرائيل هو جوهر عنصريتها لأن سيادة القانون قائمة على أساس التمييز بين اليهود وغيرهم، ودراسة المنظومة القانونية الإسرائيلية لاكتشاف مدى عنصريتها لا تحتاج خبراء لهم باع طويل كالدكتورة ريما خلف وطاقم العمل الذي أعد التقرير بل يمكن اكتشافه من قبل الطلاب المبتدئين في كليات الحقوق عند تدقيقهم بسمات قواعد القوانين الإسرائيلية ليكتشفوا سريعاً أنها ليست عامة ولا مجردة بل تميز بين السكان اليهود وغيرهم ولا تساوي بينهم بالحقوق.
الشواهد على العنصرية الإسرائيلية كثيرة أبرزها جدار الفصل الذي يبلغ طوله 750 كم والذي فصل السكان الفلسطينيين عن بعضهم البعض في الضفة الغربية وعن قطاع غزة وحال دون التواصل مع سكان مناطق 1948، بالإضافة إلى قانون حق العودة القائم على حرمان الفلسطيني من هذا الحق، وقوانين أملاك الغائب والمواطنة، والقوانين السارية في مدينة القدس التي تتعامل مع مواطنين القدس كمقيمين دائمين وتضع العقبات أمامهم في البناء ولم الشمل العائلي وسحب الهويات من أجل إجبارهم على الرحيل من المدينة، وجملة من القوانين الأخرى آخرها قانون منع الآذان بداعي الإزعاج.
أخيراً إسرائيل لا ينقصها الفرصة من أجل تغيير طابعها العنصري وجعل المنطقة تعيش بسلام وأمن وإلغاء كل مظاهر التفرقة العنصرية، فمنذ بداية عملية السلام في مدريد وحتى اللحظة تعاقبت على الإدارة الإسرائيلية تسع حكومات من اليسار واليمين وجميعها اتفقت على سياسة عناوينها واحدة وأهمها مواصلة التنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية ومزيد من سلب الأرض والاستيطان وإصدار حزمة كبيرة من القوانين تستهدف سلب حقوق غير اليهود وتمكين اليهودي من التمتع بها بتمييز عنصري واضح مشرع قانوناً من أعلى الهيئات القانونية والتشريعية وهذا الأمر يؤكد حقيقة كون دولة إسرائيل دولة القانون القائم على التمييز والفصل العنصري.