مشروع حرية الحركة والتنقل حق أساسي - مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية

حرية الحركة والتنقل حق أساسي

على أثر التطور الكبير الذي حصل على وسائل النقل في العصر الحديث الذي ضمن سرعة التنقل من مكان إلى أخر، داخل إقليم الدولة أوخارجه، بات تمتع الأفراد بحرية الحركة من المسائل البديهية المضمونة لكافة الشرائح الاجتماعية على اختلاف دخلها، مع ضرورة الالتزام ببعض الإجراءات العادية مثل حمل الوثائق اللازمة من أجل ضمان التمتع السلس باحترام الحق بالتنقل والسفر بحرية، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن مواطني الاتحاد الأوروبي عندما يقرروا السفر أو التنقل داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه لا يفكرون إلا باختيار وسيلة التنقل براً أو جواً أو بحراً وهذا السلوك  يفعله الأغلبية العظمى من سكان الكرة الأرضية عندما يرغبون في التنقل والسفر، حيث لا يوجد معيقات تدفعهم إلى القلق المسبق أو الخوف من عدم الوصول في الوقت المحدد.

الأمر في فلسطين مختلف تماماً فلا يحتاج الأفراد إلى التفكير في الوسيلة فهي واحدة -عبر البر- داخل الضفة الغربية وخارجها من خلال المعبر الوحيد إلى الأردن، إلا أن التخطيط للتنقل داخل الضفة الغربية يحتاج إلى تفكير ممزوج بين مشاعر الخوف من فقدان الحياة والضغط الشديد نتيجة ساعات الانتظار الطويلة في بعض الأحيان، والاضطرار إلى الذهاب قبل الوقت بساعات من أجل اضافة الحساب التقديري للزمن الذي سوف يستغرقه المرور عبر عدة حواجز عسكرية للتنقل من نقطة إلى نقطة داخل الضفة الغربية، بالاضافة إلى التفتيش المذل عبر البوابات الالكترونية والتفتيش الجسماني عند التنقل عبر المعبر الوحيد إلى العالم الخارجي.

لذا يجد المسافر الفلسطيني نفسه مجبراًعند مروره من النقطة الحدودية الإسرائيلية في الذهاب والإياب على أن يعيش تفاصيل يومان يجمع فيهما المشاعر المختلطة بين الخوف والإذلال، يُروى عنها حكايات تغطي على مشاعر البهجة والفرح ورونق الأماكن الجديدة التي سوف يراها أو التي رآها  في رحلته، وهذا كله بفعل ساعات الانتظارالطويلة داخل الباص المتنقل من النقطة الأردنية إلى الإسرائيلية  وبالعكس، لدرجة ينتابه شعور بأن سفره يشكل جريمة يجري عقابه عليها بشكل مباشر بانتهاك واضح لأمنه الشخصي، كل ذلك من جراء الفحص الأمني المتكرر والتفتيش الذي يهدف إلى إذلال المواطن الفلسطيني لا لشيء إلا لكونه ينتمي إلى الشعب الفلسطيني الذي أصابه القدر بجريمة استمرار وجود قوة احتلال عنصري لأرضه، تمنح كل وسائل الراحة لضمان حرية الحركة والسفر  لمواطنيها دون تعقيدات، براً وجواً وبحراً وفي الوقت نفسه تخلق واقع معقد ومعيقات على حرية الحركة والتنقل لأبناء الشعب الفلسطيني.

أولاً: واقع حرية الحركة والتنقل في فلسطين

حرية الحركة والتنقل والسفرفي فلسطين التاريخية التي تمثل النموذج الأكثر تعقيداً على مستوى العالم بفعل حجم الاعاقات التي تواجه سكانها الأصليين بعد إنشاء دولة إسرائيل على الجزء الأكبر منها  عام 1948 واحتلال ما تبقى منها عام 1967 حيث بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بتطبيق سياسات استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى السيطرة على أكبر مساحة من الأرض الفلسطينية ووضع تعقيدات من شأنها المساس بالديمغرافيا الفلسطينية، ويمكن مشاهدة ترجمة هذه السياسات على أرض الواقع في العام 2018 بالنظر إلى الجدار العازل  بطول (750) كم الذي عزل الضفة الغربية عن القدس  وحصار قطاع غزة الذي تحول إلى سجن كبير بأعلى كثافة سكانية في العالم، بالإضافة إلى المئات من الحواجز العسكرية الثابتة والطيارة داخل الضفة الغربية التي تعيق حرية الحركة والتنقل من مكان إلى أخر داخل الضفة وخارجها، من خلال سياسة منع السفر التي طالت عشرات آلاف المواطنين كعقوبة جماعية تمارس على الشعب الفلسطيني وصلت إلى حد منع محافظة الخليل بأكملها من السفر في عام 2014، هذا بالإضافة إلى وقائع تفصيلة تعيق حرية الحركة تم إحداثها على أرض الواقع كما يلي:

قطاع غزة: مساحته (360)كم2 ويسكن فية أكثر من  1.943.398 مليون مواطن فلسطيني[1]، يعاني سكان القطاع من الحصار الدائم والإغلاق من قبل الاحتلال الإسرائيلي، حيث يمنع السكان من الخروج أو الدخول إليه إلا على نطاق ضيق، والقطاع محاصر بشكل تام بين جدارمن الأسلاك  الشائكة الذي يفصله عن إسرائيل ومن الجهات الأخرى البحر والحدود المصرية، ويوجد في القطاع  معبران لدخول إسرائيل ومعبر حدودي مع مصر (معبر رفح) والسكان لا يستطعون الحركة خارج القطاع بسبب الإغلاق شبه الدائم لمعبر رفح بفعل تداعيات الانقسام وبسبب الظروف الأمنية السائدة في سيناء.

الضفة الغربية: مساحتها (5.862)كم2 ويسكنها حوالي 3.008.770 مليون فلسطيني[2] منهم 340.000 ألف في القدس التي أصبحت خلف جدار الفصل والدخول إليها لسكان الضفة الغربية يحتاج إلى تصاريح  خاصة وفق النظام المعمول به لدخول إسرائيل، ولا تشمل مساحة الضفة الغربية القدس لأن إسرائيل تعتبرها من ضمن مساحة دولة إسرائيل، بالإضافة إلى ذلك يوجد 144.000 مواطن فلسطيني من سكان الضفة الغربية يعيشون خلف الجدار أو لهم أراضي أو ممتلكات في المنطقة بين الجدار وخط الهدنة لعام 1967  يحتاجون لتصاريح خاصة للتنقل عبر بوابات الجدار بشكل يومي للدخول والخروج من وإلى الضفة الغربية، والتواصل بين قطاع غزة والضفة الغربية محدد للهيئات الدولية وبعض الشخصيات والحالات المرضية، عبر المرور من داخل إسرائيل وفق النظام المعمول به للتصاريح الخاصة، باستعمال 39 حاجز ثابت لدخول إسرائيل بالإضافة إلى ذلك يوجد داخل الضفة الغربية 57 حاجز عسكري ثابت داخلي موزعين على كافة أنحاء الضفة الغربية[3] بالإضافة إلى الحواجز الطيارة (غير ثابتة)، على امتداد شوارع الضفة التي بلغ عددها وفق معطيات ( (OCHA 2491 / عام 2017 (ما معدله 327 حاجزًا شهرياً). كما أن سكان الضفة الغربية لا يسمح لهم بالتنقل إلى العالم الخارجي إلا عبر معبر وحيد مع الأردن مسيطر عليه من قبل إسرائيل وهو معبر الكرامة في أريحا، وتعمل سلطات الاحتلال على منع المواطنين من السفر بحجج وذرائع أمنية واهية بدون قرار قضائي منذ بداية احتلالها للضفة الغربية عام 1967.

مشروع الحق في السفر والتنقل حق إنساني أساسي

أمام هذا الواقع بادر مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية ” حريات ” للدفاع عن هذا الحق ومساعدة المواطنين الممنوعين من السفر من خلال دوره القانوني والوطني وبالتعاون مع مكونات المجتمع الفلسطيني الأهلية والرسمية لمجابهة هذه السياسة منذ مطلع العام 2015 وما زال بتقديم المساعدة القانونية للممنوعين من السفر في مشروعه ”الحق في السفر والتنقل حق إنساني أساسي   والممول من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي “UNDP” سواسية 2.

عمل حريات خلال ذلك على إنشاء قاعدة بيانات كاملة للمواطنين المحظور عليهم السفر . يتم جمع المعلومات من خلال علاقة متميزة مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تقدم تقريراً شهرياً عن جميع المواطنين الذين وصلوا إلى الحدود وتم إعادتهم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية ومنعوا من عبور جسر الكرامة (اللنبي) حاليًا نقطة الخروج / الدخول الوحيدة المخصصة لفلسطينيي الضفة الغربية المسافرين إلى الخارج. حيث تغطي قاعدة البيانات الفترة من عام 2014 حتى نهاية عام 2021.

موزعة على الجدول التالي:[4]

السنة الرجال النساء المجموع
2014 3672 217 3889
2015 912 162 1074
2016 1237 198 1435
2017 768 60 828
2018 428 20 448
2019 281 10 291
2020 28 4 32
2021 63 6 57

على الصعيد القانوني تمكن حريات خلال العام 2020 من تقديم المساعدة القانونية والاستشارات لـ 189 مواطناً فلسطينياً. استطاع خلالها التقليل من ظاهرة منع السفر ومساعدة 60 مواطناً فلسطينياً على استعادة حقهم في السفر.

وخلال العام 2021 تمكن من تقديم المساعدة القانونية والاستشارات لـ 187مواطناً فلسطينياً. استطاع خلالها التقليل من ظاهرة منع السفر ومساعدة 52 مواطناً فلسطينياً على استعادة حقهم في السفر.

 

خلال مدة تنفيذ المشروع عمل المركز على إنجاز العديد من الدراسات والتحليلات على استمارات الطلبات التي يقدمها الممنوعين من السفر لرفع المنع عنهم، ولخصت إحدى الدراسات التي نفذت في العام 2018 على عينة من الممنوعين من السفر عددهم 287 إلى:

  1. أن سياسة دولة إسرائيل بمنع المواطنين الفلسطينيين من السفر تشمل كافة الفئات العمرية من الشباب وكبار السن سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، إلا أن الفئة العمرية الأعلى في الاستهداف كانت من عمر 36 إلى 50 حيث بلغت 38% بالإضافة إلى 22% من 51 فما فوق فتصبح النسبة 60% من الممنوعين فوق سن 36 سنة.
  2. ما نسبته 100% من الممنوعين من السفر لم يكم لديهم علم مسبق بانهم ممنوعين من السفر وتم إبلاغهم من قبل ضابط المخابرات العامل على معبرالكرامة (الحدود مع الاردن )بأنهم ممنوعين من السفر دون إبداء الأسباب، وبعد ساعات طويلة من الانتظار يمكن أن تصل أحياناً إلى موعد إغلاق الجسر، وبعد ذلك يتم إرجاعه بدون حقائبه التي تكون قد وصلت إلى الجانب الأردني.
  3. التبليغ بقرار المنع من السفر يتم بعد حجز الممنوعين لساعات طويلة في معبر الكرامة الحدودي لدرجة يمكن اعتبارها كأحد أشكال الإذلال للكرامة الإنسانية، تضاف إلى حرمان الأشخاص الممنوعين من السفر لحقهم  بالتنقل بحرية.
  4. قرار المنع من السفرلم يصدر بموجب أمر قضائي بنسبة 100% والمنع يتم بقرار إداري من المخابرات الإسرائيلية يتم تبلغه شفويا للاشخاص الممنوعين دون الافصاح عن أسباب المنع سواء للذين سبق أن اعتقلوا لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي أو الذين لم يسبق اعتقالهم من قبل.
  5. ما نسبته 47% من الأشخاص الممنوعين من السفر لم يسبق لهم أن اعتقلوا لدى سلطات الاحتلال ولم يسبق أن تم استجوابهم لأي سبب من الأسباب أو لدى أي جهة من الجهات الأمنية الإسرائيلية، وهذا الأمر يؤكد عدم صحة اتخاذ إجراء تحفظي بحقهم والمتمثل بمنعهم من السفر دون التحقيق معهم أو استجوابهم .
  6. ما نسبته 53% من الممنوعين تم اعتقالهم بداوعي أمنية من مرة لعدة مرات ومنهم من اعتقل لفترات قصيرة ضمن إجراءات التوقيف الاحتياطية ومنهم من كان معتقلاً إدارياً أو من جرت محاكمته وقضى فترة محكوميته دون أن يتضمن قرار المحكمة أي إشارة إلى منعه من السفر كعقوبة تبعية للحكم بالسجن مع عدم جوازها قانوناً، وهذا ما يؤكد غياب المعايير القانونية في التعامل مع قضية المنع من السفر.
  7. يوثر المنع من السفر على تمتع المواطن الفلسطيني بحقوقه الاخرى : لم شمل الاسرة والتواصل العائلي بنسبة51%، أداء مناسك الحج والعمرة 14%، و العلاج والصحة بنسبة 12%، العمل بنسبة 10%، والمرور من الأردن من أجل العيش في دولة أخرى بسنبة 5.5% وأخيراً لأغراض التعليم والدراسات العليا بنسبة 5%.

[1]  كتاب فلسطين الإحصائي السنوي، ص 21، جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، ديسمبر 2017

[2]  كتاب فلسطين الإحصائي السنوي، ص 21، جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، ديسمبر 2017

[3]  https://www.btselem.org/arabic/freedom_of_movement

[4]  أرقام الأجهزة الأمنية (الوقائي والمخابرات) الواردة بشكل شهري للمركز