مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية

القنابل الموقوتة كمبرر للتعذيب

المحامي علاء البدارنه

المستشار القانوني لمركز الدفاع عن الحريات

 

القنابل الموقوتة كمبرر للتعذيب هي اختراع لا أخلاقي تعلن من خلاله الدولة رفضها لفكرة تطبيق القانون وتعلن عدائها معه، وهي بمثابة نسف لقواعد حقوق الإنسان والتعامل معها على أساس التجزأة، ويكون ذلك عندما يحاول المكلفين بإنفاذ القانون إقناع أنفسهم وإقناع الأخرين بضرورة تجاوزمبادئ القانون وأخلاقياته لدرجة تعطيلة وشله بالاعتداء على حق من أجل حماية حق الأخر له أولوية من وجهة نظرهم، وهذا الفعل يقلب القواعد القانونية رأساً على عقب بهدف إشباع  الشعور والرغبة اللاإنسانية في الانتقام، فهل يمكن مثلاً القول أن المتهم مجرم حتى تثبت براءته، بدلاً من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته، نعم يمكن ذلك عندما تعلن الدولة مسبقاً بأنها لا تريد البحث عن العدالة ولا تريد تحقيقها، لأن الحقيقة أثبت أن التعذيب في سجن أبو غريب في العراق لم يسهم في الحصول على قنابل الدمار الشامل التي لا وجود لها أصلاً، وكذلك جرى الإفراج دون محاكمة عن أغلبية المعتقلين الذين تم تعذيبهم في جوانتانامو بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة.

القنابل الموقوتة تعتمد على المبدأ الميكيافيلي الغاية تبرر الوسيلة، هذا المبدأ البعيد كل البعد عن المعايير القانونية الدولية والمحلية وعن سمات المجتمعات المتحضرة، فالتعذيب وسيلة غير أخلاقية وغايات استخدامها غير شريفة، ولا تستخدمها إلا الدول المارقة الغاصبة التي  تفكر بفرض قواعد الاستبداد وتطلب من الاّخرين قبولها، وترجمة ذلك على أرض الواقع إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلية بمكوناتها الأساسية انتقالها إلى مرحلة الهمجية المنظمة، والارهاب المنظم كما قضت محكمتها  العليا في عام 1999، بأن التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة ممنوعين بصورة مطلقة، إلا أن المحكمة توفر الحماية لمحققي الشاباك ممن يستخدمون ما وصفته المحكمة “بأساليب التعذيب الجسدية” في حالات “القنبلة الموقوتة” يمكن إعفائهم من المقاضاة الجنائية أو حتى من التحقيق معهم وقام محققو الشاباك بتعذيب الفلسطينيين، متذرعين بحجة “القنبلة الموقوتة”، ولم يخضع أي منهم للمحاكمة، ولن يكون آخرهم الأسير سامر العربيد.

اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلية سامر العربيد من أمام عمله بتاريخ 25/9/2019 ومباشرة إنهال عليه أفراد القوات الخاصة بالضرب الشديد باستعمال الأسلحة التي يحملونها وكان ذلك أمام زوجته التي كانت ترافقه في سيارة العائلة، ومن ثم نقلته لتحقيق المسكوبية، وعند عرضه لتمديد التوقيف أمام المحكمة صرح سامر للقاضي بأنه يعاني من الألم في صدره ولا يستطيع البلع ويستمر في التقيؤ، ولم يكترث القاضي بدوره لشكوى سامر له، وبدلاً من نقله للمستشفى لإجراء الفحوصات اللازمة، وافق القاضي على طلب المخابرات بتعريضه لما يسمى مجازاً بالتعذيب العسكري الذي يجيز القضاء بموجبه لمحققين الشباك ممارسة التعذيب بحق المعتقل، بدعوى أنه يشكل قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر بأي لحظة وأن هنالك مبرر لاتخاذ إجراءات  خاصة لحماية مواطني دولة الاحتلال من الأعمال التي يمكن أن تمس بحياتهم.

استمر جهاز الشباك في تعذيب الأسير سامر العربيد باستعمال طرق أشد، وفي يوم السبت الموافق 28/9/2019 أبلغ أحد ضباط سلطات الاحتلال محامي سامر أنه تم تحويله إلى المستشفى في حالة صحية سيئة فاقداً للوعي ويتنفس بصورة اصطناعية من خلال أجهزة التنفس وأنه تم نقله إلى مستشفى هداسا في جبل الزيتون، في حين تبين لاحقاً أن عربيد تم نقله إلى المستشفى قبل الاتصال بيوم واحد دون إعلام عائلته أو محاميه، وأنه وصل إلى المستشفى بحالة فقدان للوعي، وكسور في القفص الصدري، ورضوض وأثار ضرب في كافة أنحاء جسده وفشل كلوي شديد، وكانت سلطات الاحتلال أقرت بتعذيب سامر بالصحافة الإسرائيلية وساقت مجموعة من المبررات المخالفة للقانون لتبرير قيامها بتعذيبه.

مما لا شك فيه أن قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلية بتعذيب سامر العربيد يتنافي مع المادة 2 فقرة 2 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تقضي بأنه “لا يجوز للدولة العضو في الاتفاقية التذرع بأية ظروف استثنائية أياً كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديداً بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلى أو اية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب” ودولة الاحتلال تتمتع بوصف الدولة العضو بالاتفاقية منذ اكتوبر 1993، وأن تذرعها بأي ظرف كان من أجل تبرير ممارستها التعذيب على إقليمها وأن تم إجازته من قبل المستوى القضائي هذا الأمر لا ينفي عن الفعل صفة التعذيب، الذي تم ارتكابه بشكل ممنهج بموجب المادة 20 من الاتفاقية التي تنص أن على لجنة مناهضة التعذيب التحرك وسؤال الدولة العضو إذا وصلها معلومات عن ممارسة التعذيب على نحو منظم في إقليم الدولة العضو في الاتفاقية، وهذا الأمر يعتبر الآن استحقاق قانوني يجب مطالبة لجنة مناهضة التعذيب في جنيف بتنفيذه وسؤال دولة الاحتلال عن جريمة تعذيب سامر العربيد.

إن هذا التعذيب المنظم والممنهج الظاهر بشكل واضح بوقائع قضية العربيد من حيث مستوى التعاون بين المكلفين بإنفاذ القانون في جهاز مخابرات سلطات الاحتلال الإسرائيلية، الذي وجد كل الدعم والتأييد من خلال المستويات الحكومية الأعلى ومنها رئيس الحكومة نتنياهو الذي سكت عن اتخاذ أي إجراء من شأنه وقف هذه الممارسة البشعة بحق الأسير العربيد، وكذلك الموافقة الصريحة من قبل جهاز القضاء الذي حاول إطفاء الصبغة الشرعية القانونية على هذا التصرف المجرم على المستوى الدولي، والذي يعتبر بوصفه وبالإستناد إلى الوقائع المذكورة أعلاه بما لا يدعو للشك بأنه أحد الجرائم الجسيمة بموجب المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة والتي تعتبر أحد جرائم الحرب المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 8 من ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية تحت عنوان جرائم الحرب.

أخيراً على كافة الدول الأطراف المتعاقدة السامية في اتفاقيات جنيف الأربعة ومجلس حقوق الإنسان واجب التحرك للضغط على دولة الاحتلال للكف عن انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وأيضاً لا بد من دعوة  المجتمع الدولي للتأكيد على دولة الاحتلال أنه كان عليها من باب أوّلى أن تبحث عن مبررات وشرعية وجودها كسلطة محتلة مسيطرة على الأرض الفلسطينية بدلاً من البحث عن شرعنة تعذيب المقاتلين من أجل الحرية الذين يمارسون حقهم المشروع بالنضال للخلاص من الاحتلال هذا الحق الجماعي المكفول بموجب قواعد القانون الدولي، والعمل على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى دولة فلسطين المحتلة التحرك على المستوى الدولي للضغط على دولة الاحتلال لتحمل مسؤوليتها باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال في الأراضي الفلسطينية، بما أنها تمارس السيطرة الفعلية على كافة الأراضي الفلسطينية حتى الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وما دامت تستطيع الدخول إلى هذه المناطق والخروج منها متى شاءت وبأي وقت تشاء، ويجب على دولة الاحتلال أن تتحمل مسؤوليتها وأن لا يبقى احتلالها للأرض الفلسطينية بدون تكلفة مادية بوصفه الذي تحاول فرضه على المنظومة القانونية الدولية باعتباره محتلون دون احتلال.

Exit mobile version