1

قراءة نص المرسوم الرئاسي رقم (19) لسنة 2009 بشأن المصادقة على اتفاقية سيداو

 علاء البدارنة- أصدر الرئيس محمود عباس بمناسبة يوم المرأة العالمي بتاريخ 8/3/2009
مرسوم رئاسي بشأن المصادقة على اتفاقية سيداو، ويتكون المرسوم من مادتين الأولى
تتضمن كلمة المصادقة على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة
“سيداو”، والثانية تدعو الجهات كافة، كل فيما يخصه تنفيذ أحكام هذا المرسوم
والعمل به من تاريخ صدوره، وكذلك نشره في الجريدة الرسمية، الأمر الذي تم بالفعل
بالعدد الثمانون الصادر بتاريخ 27/4/2009، والجدير بالذكر أن المصادقة الوطنية على
الاتفاقية من قبل الرئيس جاءت آنذاك في الوقت الذي كانت فلسطين لا تستطيع الانضمام
إلى الاتفاقية بسبب عدم تمتعها بمركز قانوني دولي  كدولة، حيث تمتعت بهذا المركز في عام 2012
وتمكنت من الانضمام والمصادقة على اتفاقية سيداو وغيرها من الاتفاقيات في شهر
نيسان عام 2014.

عند قراءتي
لنص المرسوم الذي يتكون من مادتين فقط وجدته يثيير مجموعة من الأسئلة حول القيمة
القانونية للخطوة التي اتخذتها السلطة الوطنية الفلسطينية من طرف واحد والتي أعلنت
من خلالها الالتزام بنصوص إحدى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان كما نص المرسوم، وما
صحة أن تتحمل شخصية قانونية دولية غير دولة الالتزام بأحكام اتفاقية، وهل أن نشر
كلمة المصادقة في الجريدة الرسمية بدون نشر نصوص الاتفاقية كاملة يعني إمكانية
التذرع بنصوصها أمام القضاء، وإن لم يكن كذلك ما الهدف من وراء إصدار هذا المرسوم ونشره.

 لن أجيب عن هذه الاسئلة وغيرها بعكس ما يتوقع
القارئ، لأن هنالك عشرات من الأسئلة المفتوحة في نقاش مجتمعي بشكل دائم مع الجهات
الرسمية والحكومية منذ بداية الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية  حول مسألة نفاذ الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان
وتوطينها، وهذا الحوار مستمر منذ خمس سنوات من تاريخ الانضمام الى هذه الاتفاقيات
دون نتائج عملية يمكن الحديث عنها، وطبعاً هنالك العديد من الأجوبة من جهات رسمية
وقضائية (قرارات المحكمة الدستورية) تتناقض جوهرياً مع مساعي السلطة الفلسطينية
بالإعلان من تلقاء نفسها الالتزام بأحكام اتفاقيات حقوق الإنسان، أو انضمام دولة
فلسطين لاحقاً إلى العشرات من الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان  دون إبداء أي تحفظ على أيّ منها، و مرة أخرى
نتلافى الدخول في تفاصيل لايتسع ذكرها في هذه الورقة، مع ذلك نجد أن أهم  ما يمكن استنتاجه عند قراءة أحكام هذا المرسوم مايلي:

أولاً: نشر
المرسوم يأتي انسجاماً مع أحكام القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 في التعامل مع الاتفاقيات
الدولية لحقوق الانسان، حيث أنه استجاب إلى نص المادة (10) فقرة (1) التي تنص على
أن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام وكذلك انسجم مع دعوة نفس المادة
بالفقرة الثانية منها التي دعت السلطة الوطنية الفلسطينية  للعمل دون إبطاء على الانضمام إلى الإعلانات
والمواثيق الإقليمية، حيث أن هذا المرسوم صادق على اتفاقية سيداو على المستوى
القانون الوطني قبل الانضمام والمصادقة على الاتفاقية دوليا لأن مركزفلسطين
القانوني آنذاك لم يكن يتيح لها ذلك.

ثانياً:
إن نية تطبيق اتفاقية سيداو من طرف واحد قائمة من قبل السلطة التنفيذية قبل الانضمام
الى الاتفاقية بشكل رسمي، حيث نجد أن الدعوة مؤخراً من قبل الحكومة إلى إبداء
التحفظات على الاتفاقية تشكل  تناقضاً  مع كل الخطوات التي اتخذها الرئيس سابقاً لضمان
تمتع المرأة الفلسطينية  بالمساواة و منها
التي تلت هذا المرسوم مثل  تعديل بعض
المواد في قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960، وهذه النتيجة تثير تساؤل حول
الجهات الحكومية المتنفذة التي تحرض و تقف عائق أمام تمتع المرأة بحقوقها دون
تمييز.

ثالثاً:
بالقياس على الأساس القانوني لصياغة المرسوم يمكن القول ببساطة أن القانون الأساسي
 وضح مكانة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان
في القانون الوطني، حيث أن الرئيس محمود عباس احترم دعوة القانون الأساسي في
الفقرة (2) من المادة (10) وعمل على الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان
دون إبداء أي تحفظ، حيث لا يوجد ما يشير في المادة (10) فقرة (2) إلى إبداء بعض التحفظات
على الاتفاقيات الدولية، لكن في الوقت ذاته لم تحترم السلطة التنفيذية  الفقرة 
الأولى من نفس المادة التي اعتبرت أن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة
وواجبة التطبيق  حيث أن التطبيق العملي
يشير إلى أن  الاتفاقيات غير ملزمة  على مستوى القانون الداخلي بسبب عدم توطينها
الأمر الذي يحول دون التذرع بأحكامها أمام المحاكم الوطنية.

رابعاً:
نصت المادة (10) فقرة (1) على أن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة
الاحترام، وبمفهوم المخالفة لقراءة النص يُلغى أي نص في القانون الوطني يتعارض مع
حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وهذه الحقوق والحريات تضمنتها الاتفاقيات الدولية
لحقوق الإنسان التي انضمت لها دولة فلسطين، وإن أي تفسير آخر للنص مع الاحترام
يتعارض مع نص دستوري واضح وإن التاويل بخلاف ذلك أوالبحث عن مكانة اتفاقيات حقوق
الانسان التي تُطبق على الأفراد وتأخير إدماجها في القانون الوطني لهذا الحد  يتعارض مع مبدأ حسن نية في تطبيق المعاهدات
وتفسيرها.

وأخيراً
لابد من ذكر أن الأمانة العلمية  تقتضي
الإشارة إلى أن الأساس القانوني الذي اعتمدت عليه  في قراءتي للمرسوم  مبني على قناعاتي بوجهة نظر قانونية بهذا الخصوص
ضمنتها  ورقة بحثية قدمها الدكتور عاصم
خليل أستاذ القانون في جامعة بيرزيت حول المكانة القانونية للاتفاقيات الدولية
لحقوق الإنسان بورشة عمل تم إقامتها بتاريخ 2/8/2018 بحضور ممثلين عن وزارة
الخارجية والدكتور نبيل شعث، وتعامل الدكتور عاصم مع هذه القضية ببساطة وموضوعية
وركزعلى نص المادة 10 فقرة 1 من القانون الأساسي باعتباره يوضح مكانة الاتفاقيات
الدولية لحقوق الإنسان في القانون الوطني الفلسطيني.