مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان ندعو الجهاز القضائي إلى تفعيل دوره في الرقابة والمساءلة للحماية من جريمة التعذيب

img_2068-2يحيي الشعب الفلسطيني مع شعوب العالم قاطبة بالعاشر من ديسمبر من كل عام اليوم العالمي لحقوق الإنسان، للتأكيد على ضرورة احترام قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان وتأصيل مبدأ احترام الكرامة الإنسانية لبني البشر، وتكريس نموذج الدولة الديمقراطية الحامية للحقوق والحريات العامة في الفكر القانوني الوطني القائمة على مبدأ سيادة القانون على الجميع، وهذا النموذج لا يمكن تحقيقه في المجتمع الفلسطيني، إلا من خلال إعمال مبدأ الفصل بين السلطات وضمان استقلالية الجهاز القضائي، دون تعدي أي من السلطات الثلاث على الأخرى، ويقع على عاتق الجهاز القضائي مهمة إدارة العلاقة بينهما وضبطها من منظور قانوني صرف، يضمن في نهاية المطاف تطبيق خلاق لقواعد القانون مع احترام الحقوق والحريات العامة وضمان عدم الاعتداء عليها، وأن الاعتداد بالدوافع والأسباب لتبرير مخالفة القانون من قبل المكلفين بتنفيذه ، يتعارض مع مفهوم دولة سيادة القانون التي تحدد الحقوق والواجبات للمواطن والإدارة القائمة على إنفاذ القانون.

في هذا السياق تأتي دعوة الجهاز القضائي لتفعيل دوره في الرقابة والمساءلة والحماية من التعرض لجريمة التعذيب من خلال أعمال الصلاحيات الممنوحة له قانوناً وتحديداً فيما يتعلق بالأشخاص المحرومين من حريتهم، وخاصة عند وقوعهم تحت طائلة انتهاك من قبل المكلفين بإنفاذ القانون، هذه المسألة تتعلق بالمواطن وكرامته الإنسانية المتأصلة، كأولوية تأخذ موقعها في الدرجة الأولى على سلم الحقوق والحريات، والإخلال بها يؤدي إلى إحداث أضرار جسيمة مستمرة الآثار بالطبيعة التكوينية للإنسان، وعلى قدرته بالاستمرار في السير الطبيعي بحياته مستقبلاً، حيث أنه يجب على الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون تطبيق القانون لتحقيق أهدافه الاجتماعية التي ترمي لتعزيز دور الفرد في البناء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدولة.

هذا الدور للمؤسسة القضائية الذي نتطلع إلى تفعيله إلى درجة يشكل ضمانة حقيقية للحماية من التعذيب وسوء المعاملة في المجتمع الفلسطيني، بالمعنى الذي يضمن عدم خرق القانون وعدم استخدام الأماكن المخصصة لاحتجاز الأشخاص المحرومين من حريتهم لأغراض تتنافى مع الفكرة والأهداف المتوخاة منها، باعتبار أن حرمان الأشخاص من حريتهم  يتم بعد ارتكابهم أفعالاً تشكل اعتداء على القانون، وذلك بهدف إصلاحهم وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع كأشخاص يقومون بالدور الاجتماعي الملقى على عاتقهم كمواطنين يمارسون حقهم في المواطنة الصالحة.

لتطبيق هذه الدعوة للنيابة العامة دور محوري وفاصل في هذا الشأن، باعتبارها شعبة من شعب القضاء، وأحد مكوناته الرئيسية وعلاقتها وطيدة جداً بالسلطة التنفيذية من موقع مسؤوليتها عن عمل الضابطة القضائية، بموجب القانون، هذا الموقع المتوسط للنيابة العامة الفلسطينية الفريد من نوعه بالمقارنة مع النيابات العامة في الدول المجاورة، يمكنها من لعب دور أساسي في الرقابة والمساءلة والحماية من التعذيب، بالنظر لحجم الصلاحيات الكبيرة التي منحها القانون لها بحيث تعتبر مؤسسة إجرائية متخصصة تنوب عن المجتمع في التطبيق السليم للقانون.

نجد الأساس الموضوعي لدعوتنا في تفعيل دور الجهاز القضائي في صلاحيات النيابة العامة وتحديداً فيما يتعلق بحرمان الأشخاص من حريتهم والتحقيق معهم واستجوابهم، وإعمال الصلاحيات المناطة بها قانوناً، من أجل تمكين المحرومين من حريتهم من تمتعهم بالضمانات التي نص عليها القانون الساري،  وتحديداً قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 (سيشار له لاحقاً باختصار ق.إ.ج) التي من شأنها أن تشكل حماية حقيقية من المساس بالكرامة الإنسانية للمحرومين من حريتهم، ومن أهم هذه الضمانات ما يلي:

1- تعزيز قداسة قرينة البراءة الأصيلة للمتهم والتعامل مع التوقيف وتمديده كإجراء مبنى على أدلة وبراهين، تقدمها النيابة العامة كجهة إدعاء، والتشدد بالتعامل مع أسبابه بشكل يحول دون الانحراف عن أهدافه المنصوص عليها قانوناً التي تؤدي بالنهاية إلى إدانة المتهم وتقديمه لمحاكمة عادلة، وإلا يتحول التوقيف إلى مجرد عقوبة تتعارض مع الأهداف المرجوة منه قانوناً.

2- تختص النيابة العامة دون غيرها بالتحقيق في الجرائم والتصرف فيها، وللنائب العام أو وكيل النيابة المختص تفويض أحد أعضاء الضبط القضائي المختص بالقيام بأي من أعمال التحقيق بدعوى محددة، وذلك عدا استجواب المتهم في مواد الجنايات، ولا يجوز أن يكون التفويض عاماً، ويتمتع المفوض في حدود تفويضه بجميع السلطات المخولة لوكيل النيابة. م 55 . ق.ا. ج

3- عدم جواز القبض على أحد أو حبسه إلا بأمر من الجهة المختصة قانوناً ويجب معاملة الموقوف بطريقة تحفظ كرامته الإنسانية ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً. م 29 . ق. إ . ج

4- يجب على وكيل النيابة عند حضور المتهم لأول مرة للتحقيق أن يتثبت من هويته واسمه وعنوانه ومهنته ويستوجبه بالتهمة المنسوبة إليه ويطالب بالإجابة عليها، ويخطره أن من حقه الاستعانة بمحام، وأن كل ما يقوله يجوز تقديمه كدليل ضده في معرض البينة عند محاكمته. م 96 .ق.إ.ج

5- يحق  للمتهم الموقوف الاتصال بمحاميه في أي وقت يريد دون قيد أو رقابة، وللمتهم الحق في الصمت وعدم الإجابة على الأسئلة الموجهة له و في تأجيل الاستجواب مدة 24 ساعة لحين حضور محاميه فإذا لم يحضر محاميه أو عدل عن توكيل محام عنه جاز استجوابه في الحال .مواد 97،103. ق.إ.ج

6- حياد المكلفين في التحقيق والاستجواب من أفراد النيابة العامة أو الضابضة القضائية المفوضين من النيابة بالتحقيق والاستجواب في الجنح والمخالفات، وهذا الحياد يجعلهم يؤدون أعمال وظيفة التحقيق بهدف الحصول على اعتراف من المتهم مع الالتزام بشروط صحة الاعتراف، حيث يجب أن يصدر الاعتراف عن الموقوف طواعية وباختياره الشخصي دون ضغط أو إكراه مادي أو معنوي، ودون أن يتم تهديده أو وعده، ويجب أيضاً أن يكون الاعتراف منسجماً مع ظروف وواقعة الجريمة، ويكون صريحاً بدرجة قاطعة لارتكاب الجريمة المادية، والاعتراف بموجب القانون الفلسطيني ليس سيد الأدلة بل أحد طرق الإثبات التي تخضع لتقدير المحكمة. مواد 214/ 215 ق.إ، ج

7- معاينة وكيل النيابة لجسم المتهم قبل استجوابه وأن يثبت كل ما يشاهده من إصابات ظاهرة وسبب حدوثها، ويأمر وكيل النيابة من تلقاء نفسه بإجراء الفحوصات الطبية والنفسية للمتهم من قبل الجهات المختصة إذا رأى ضرورة لذلك أو بناء على طلب المحامي. مواد 99،100 ، ق. إ . ج

8- إشراف النائب العام على مأموري الضبط القضائي (المفوضين بالتحقيق والاستجواب) لدى الأجهزة الشرطية والأمنية الفلسطينية، الذين يخضعون لمراقبته قانوناً بما يتعلق بأعمال وظيفتهم، وله أن يطلب من الجهات المختصة اتخاذ الإجراءات التأديبية بحق كل من يقع منه مخالفة لواجباته أو تقصير في عمله، وهذا لا يمنع من مساءلته لهم جزائياً. م 20 . ق.ا .ج

9- عدم جواز توقيف أو حبس أي إنسان إلا في مراكز الإصلاح والتأهيل (السجون) وأماكن التوقيف المخصصة لذلك بموجب القانون، ولا يجوز لمأمور أي مركز قبول أي إنسان فيه إلا بمقتضى أمر موقع من السلطة المختصة ولا يجوز له أن يبقيه بعد المدة المحددة بهذا الأمر. م 125. ق .إ.ج

10- حق كل موقوف أو نزيل في التقدم بشكوى كتابية أو شفهية للنيابة العامة تتعلق بتعرضه لانتهاك لحقوقه أو المساس بكرامته الإنسانية أو إيذاؤه بدنياً أو معنوياً يقدمها عن طريق مدير مركز الإصلاح والتأهيل (السجن) الذي يجب عليه قبولها وإبلاغها للنيابة العامة بعد إثباتها في سجل خاص يعد لهذا الغرض في مركز الإصلاح والتأهيل. م 127 ق.ا.ج ، وفي حال تلقيها شكوى عن حدوث  تعذيب من أحد الموقوفين على النيابة العامة مباشرة التحقيق فور علمها بالجريمة .م .56 ، ق.إ،ج.

11- تفقد مراكز الإصلاح والتأهيل (السجون) من قبل النيابة العامة ورؤساء محاكم البداية والاستئناف وأماكن التوقيف الموجودة في دوائرهم، للتأكد من عدم وجود نزيل أو موقوف بصفة غير قانونية، ولهم أن يطلعوا على سجلات المركز وعلى أوامر الوقيف والحبس، وأن يأخذوا صوراً منها وأن يتصلوا بأي موقوف أو نزيل ويسمعوا منه أي شكوى يبديها لهم، وعلى مديري ومأموري المركز أن يقدموا لهم كل مساعدة للحصول على المعلومات التي يطلبونها. م.126 ق.إ.ج، وتعتبر هذه الضمانة من أهم الضمانات للوقاية من التعذيب وسوء المعاملة في حال القيام بزيارات تفقدية منتظمة من قبل الجهات القضائية للسجون ومراكز الاحتجاز والتوقيف.

12- لكل من علم (من أفراد ومؤسسات أو الكافة) بوجود موقوف أو نزيل بصفة غير قانونية أو غير المكان المخصص لذلك، أن يخطر النائب العام أو أحد مساعديه بذلك وبدوره يأمر النائب العام بإجراء تحقيق والإفراج عن الموقوف أو النزيل بصفة غير قانونية ويحرر محضراً بذلك لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة .م128.ق.إ.ج، وهذه المادة تدعوا إلى رقابة المجتمع على مراكز التوقيف والاحتجاز وحماية سيادة القانون.

وأخيراً في مناسبة احتفالنا في اليوم العالمي لحقوق الإنسان وبعد عرض أهم الضمانات التي ينص عليها قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001، لا بد من الفخر بامتلاكنا هذا القانون العصري الذي وجد ليشكل الأساس القاعدي لدولة القانون الحامية للحقوق والحريات العامة والشخصية، حيث وفر الضمانات القانونية التي يجب على القضاء تطبيقها، في مواجهة من يخرقون القانون أو من يجدوا أنفسهم بخلاف معه وتهدف إلى حرمانهم من حريتهم الشخصية مع ضمان عدم التعرض لكرامتهم الشخصية، وإيقاع العقاب عليهم باسم المجتمع بهدف تقويم سلوكهم، وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع من جديد، وعليه نجدد دعوتنا باسم مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية “حريات” إلى سعادة رئيس المجلس الأعلى للقضاء وعطوفة النائب العام باتخاذ كافة الإجراءات المناسبة من أجل تفعيل هذه الضمانات وتطبيقها في الواقع العملي، الأمر الذي يشكل ضمانة قانونية وقضائية دائمة للحماية من التعذيب وسوء المعاملة في المجتمع الفلسطيني.

المحامي: علاء البدارنة

Exit mobile version