مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية

التوقيف على ذمة المحافظ بين مبدأ المشروعية والتطبيق العملي

إعداد المحامي علاء البدارنة

يثير التوقيف على ذمة المحافظ، جدلاً كبيراً في أوساط العاملين في مجال حقوق الإنسان في فلسطين، في ظل تزايد أعداد الموقوفين على ذمة المحافظ في مختلف المحافظات، هذا النوع من التوقيف الإداري الذي يتم بعيداً عن الإجراءات القانونية وضمانات المحاكمة العادلة التي وضعها قانون الإجراءات الجزائية رقم (3) لسنة 2001 الذي أكد أن النيابة العامة هي الجهة الوحيدة التي يحق لها التوقيف والتحقيق، وأعطى صلاحية الضبط القضائي لجهات محددة ذكرها القانون على سبيل الحصر. وجاء قانون الإجراءات الجزائية منسجماً مع القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003 الذي نص في المادة (11) أن “الحرية حق طبيعي وهي مكفولة لا تمس، ولا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي وفقا لأحكام القانون، ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطي ولا يجوز الحجز أو الحبس في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون”، وأضافت المادة (12) من القانون الأساسي “يبلغ كل من يقبض عليه أو يوقف بأسباب القبض عليه أو إيقافه، ويجب إعلامه بلغة سريعة يفهمها بالاتهام الموجه إليه، وأن يمّكن من الاتصال بمحامٍ، وأن يقدم للمحاكمة دون تأخير”.
في السياق ذاته، جاء المرسوم الرئاسي رقم 22 لسنة 2003 الذي حدد اختصاصات المحافظ منسجماً مع القانون الأساسي الفلسطيني، حيث أن المرسوم أعطى المحافظ صلاحية الضبط القضائي في المادة رقم (7) التي نصت على أن المحافظ يقوم “بوظيفة الضبطية القضائية فيما يتعلق بالجرم المشهود وإبلاغ النيابة العامة عن الجرائم غير المشهودة التي يطلع عليها”، وعليه فصلاحية المحافظ بالقبض تنحصر في الجرم المشهود الذي شاهده بإحدى حواسه بشكل يقطع الشك بارتكاب الفعل و الجرائم الأخرى غير المشهودة على المحافظ، إبلاغ النيابة العامة كجهة اختصاص أصيل بتحريك الدعوى العمومية.
أن التوقيف على ذمة المحافظ من الناحية التطبيقية، يأتي أعمالاً للسلطة الإدارية الممنوحة للمحافظ التي منحته إجراءات استثنائية، تتيح له عملياً سلب الحرية الشخصية للفرد بهدف الحفاظ على الأمن العام والنظام العام، استناداً لنص قانون منع الجرائم الأردني رقم (7) 1954 الذي يمكّن المحافظ من اتخاذ إجراءات وتدابير غير قضائية تباشرها الإدارة وتتخذ الطابع الوقائي للحيلولة دون وقوع الجريمة أو حدوثها. وتتمتع الإدارة في هذا النوع من النشاط بسلطة تقديرية واسعة وهذا واضح بالنظر للألفاظ المستخدمة في صياغة القانون كاستعمال لفظ: “وإذا كان يحمله على الاعتقاد” (م 3)، “و يجوز للمتصرف” (م 7)، “وإذا اقتنع المتصرف” (م9)، وهي مصطلحات تحتمل التأويل والتفسير الواسع، الأمر الذي يتيح مساحة واسعة من الصلاحيات تجعل من قناعة الحاكم الإداري (المتصرف) بديلاً للنيابة العامة والقضاء وتعطيه الحق في فرض الإقامة الجبرية على الأفراد وكذلك الحق في توقيفهم والإفراج عنهم متى أراد ذلك.
بالرغم من حقيقة مخالفة قانون منع الجرائم الأردني للقانون الأساسي الذي أكدت المادة (119) منه على أنه “يلغى كل ما يتعارض مع أحكام القانون الأساسي المعدل “إلا أن السلطة التنفيذية ماضية بشكل واسع بتوقيف الأشخاص بالاستناد إلى قانون منع الجرائم الأردني الملغي حكماً، مما يشكل سلوكاً تعسفياً في استعمال الصلاحيات الإدارية. علاوة على ذلك، يلاحظ أن الأجهزة الأمنية والشُّرطية تخلط بشكل واضح بين صلاحيات الضبط القضائي الممنوحة لها قانوناً وصلاحيات الضبط الإداري باعتبارها الجهة المكلفة بإنفاذ القانون، مما يتيح للأجهزة الأمنية والشرطية هامش واسع من التصرف يؤدي إلى حرمان الأشخاص من حريتهم، خارج نطاق الضمانات القانونية المنصوص عليها بقانون الإجراءات الجزائية.
بل أكثر من ذلك فإن السلطة التنفيذية بالممارسة العملية عندما تستند لنصوص قانون منع الجرائم، نجد أنها لا تتقيد بأحكامه، ولا تأخذ من قانون منع الجرائم سوى فكرة الصلاحيات الاستثنائية الممنوحة لها دون الالتفات إلى ما يتضمنه من إجراءات وشروط بشان التوقيف ويتم ذلك على النحو الآتي:-
1- إن التوقيف على ذمة المحافظ يحدث دون علم المحافظ في بعض الأحيان، وإن كان لديه علم لا يمثل الموقوف أمامه وهذه النتيجة وصلنا لها بعد أن أفاد العديد من الموقوفين على ذمة المحافظ عند مقابلتهم بأن المحافظ ينفي علمه بتوقيفهم عند سؤال ذويهم للمحافظ، بالإضافة أن الموقوفين على ذمة المحافظ لا يمثلون أمامه بمجلس المحافظة ولا يتلقون مذكرة حضور لمقابلة المحافظ، حسب ما جاء بنص المادة 4 من قانون منع الجرائم تحت عنوان إصدار مذكرة التوقيف أنه “إذا أبلغ أي شخص من المذكورين في المادة الثالثة مذكرة الحضور أمام المتصرف ولم يمثل خلال مدة معقولة، فيجوز للمتصرف (منصب إداري لا يستعمل في المنظومة الإدارية الفلسطينية) أن يصدر مذكرة القبض على ذلك الشخص على أن تجري محاكمته خلال أسبوع من تاريخ القبض”.
2- التوقيف باسم المحافظ يتم بناء على تقديرات الأجهزة الأمنية والشرطية دون الرجوع له، حيث يتم اعتقال الأشخاص أولاً، ومن ثم يتم توقيفهم على ذمة المحافظ بعد مراسلة مكتب المحافظ، مع أن قرار التوقيف هو قرار إداري قابل للطعن أمام محكمة العدل العليا، ويصدر عن المحافظ أعمالاً للاختصاص الممنوح له شخصياً بموجب قانون منع الجرائم، وهذا القرار يجب أن لا يخضع للمساومة أو الاتفاق، كما يجب أن يكون قراراً إدارياً فردياً يصدره المحافظ دون غيره، ويجب أن يكون القرار مسبباً يعبر عن تقديره هو دون غيره لحالة الشخص الذي يعتقد أن عدم كتابة تعهد عليه أو إيجاد كفيل يضمنه يؤثر على الأمن العام، فلا يجوز أن يكون القرار وسيلة للمساومة، ولا يجوز للمحافظ أن يتفق مع أي شخص أو جهة أياً كانت على منحها أو تفويضها هذا الحق بالتوقيف الممنوح له قانونا دون غيره.
3- لا بد من الإشارة أن التوقيف على ذمة المحافظ بموجب قانون منع الجرائم هو إجراء وقائي يهدف إلى المحافظة على النظام والآداب العامة، حيث أن قانون منع الجرائم، ذكر على سبيل الحصر الحالات والأشخاص الذين يجوز توقيفهم لتحقيق الغرض منه، فلا يجوز استخدامه بشكل واسع ليشمل معاقبة الخصوم السياسيّين أو لأغراض خاصة بأشخاص أو جهات رسمية أو غير رسمية، وهذا ما نستنتجه من نص المادة الثالثة من قانون منع الجرائم رقم (7) 1954 “إذا اتصل بالمتصرف أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بوجود شخص في منطقة اختصاصه ينتسب لأي صنف من الأصناف المذكورة أدناه:
أ- كل من وجد في مكان عام أو خاص في ظروف تقنع المتصرف بأنه على وشك ارتكاب أي جرم أو المساعدة على ارتكابه.
ب- كل من اعتاد اللصوصية أو السرقة أو حيازة الأموال أو اعتاد حماية اللصوص أو إيوائهم أو المساعدة على إخفاء الأموال المسروقة أو التصرف بها.
ج- كل من كان في حالة تجعل وجوده طليقاً بلا كفالة خطراً على الناس، فيجوز للمتصرف أن يصدر مذكرة حضور…….. يكلفه بالحضور أمامه ليبين إذا كان لديه أسباب تمنع من ربطه بتعهد، إما بكفالة كفلاء إما دون ذلك ………. يتعهد فيه بأن يكون حسن السيرة والسلوك حلال المدة التي يستصوب المتصرف تحديدها على أن لا تتجاوز سنه واحدة.
4- إن التطبيق العملي لقانون منع الجرائم في الواقع الفلسطيني يبدأ في الغالب بعد وقوع الجريمة، ويتم استخدام هذا الإجراء من أجل التحقيق مع الموقوفين على ذمة المحافظ بشكل يهدف إلى التنصل من الضمانات، التي يوفرها القانون لهم، حيث أن العديد من الموقوفين الذين تم التحقيق معهم أثناء التوقيف على ذمة المحافظ تم توقيفهم على ذمة المحكمة لاحقاً، بمحاولة من الجهات الأمنية والشرطية لإدانتهم والضغط عليهم خارج نطاق الإجراءات القانونية العادية للتوقيف.
5- استغلال التوقيف على ذمة المحافظ لأغراض أخرى منها توقيف الأشخاص المدينين لحمايتهم من دائنيهم لحين حل مشكلة الدين، بشكل يشير إلى نية الإدارة لتوسيع صلاحيتها في التوقيف دون اللجوء إلى القضاء، في اعتداء واضح على صلاحيات السلطة القضائية.
أخيراً، لابد من التذكير بأن قانون منع الجرائم الأردني عند صدوره كان يلبي احتياج المجتمع الأردني في مرحلة معينة، ويراعي تعقيداته القبلية والعشائرية وأصبح ساري المفعول على المجتمع الفلسطيني بحكم السيطرة الإدارية الأردنية، والآن بعد مرور 62 عاماً على إصداره لم يعد يراعي التطور الذي طرأ على المنظومة الاجتماعية الفلسطينية وخصوصاً بعد انتشار ثقافة حقوق الإنسان وازدياد الوعي بها بالأوساط الشعبية، وانضمام فلسطين لمجموعة من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وأن الاستمرار في اللجوء إلى قانون منع الجرائم الأردني مع عدم مشروعيته يعبر عن عجز الإدارة القانوني في مواجهة مع ما تبقى من قواعد اجتماعية بآلية لابد من إزالتها من أجل تطوير المجتمع، بهدف الوصول إلى دولة ديمقراطية عصرية في ظل سيادة القانون.

Exit mobile version