مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية

نحو تعزيز الحركة الوطنية الأسيرة لدورها الطليعي

بقلم حلمي الأعرج
 لعبت الحركة الوطنية الأسيرة في السجون الإسرائيلية دوراً هاماً ومميزاً في مختلف مراحل النضال الوطني الفلسطيني وتبوأت مكانة خاصة في طليعة الحركة الوطنية الفلسطينية بصفتها مكوناً عضوياً وأصيلاً من مكوناتها رفدتها خلال سنوات النضال بالآلاف من الكادرات المجربة التي أسهمت في إغناء التجربة النضالية الفلسطينية بعد أن نجحت في تحويل السجون من مقابر جماعية كما أرادها لها الاحتلال إلى قلاع شامخة وأكاديميات ثورية خرجت أجيالاً من المناضلين.
وخلال مسيرتها النضالية سقط من صفوفها مائتي شهيد وشهيد، كان آخرهم الشهيد رائد أبو حماد، جراء سياسة الإهمال الطبي المتعمد وفي أقبية التحقيق وأثناء الإضرابات المفتوحة عن الطعام التي خاضتها دفاعاً عن وجودها وكرامتها وانتمائها وعن تطلعات شعبنا في العودة والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
لقد حان الوقت كي تستعيد الحركة الأسيرة دورها التاريخي والمبادر في طليعة النضال الوطني الفلسطيني وأن تسهم بلعب دور استثنائي في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وفي إعادة الزخم لدور الحركة الجماهيرية المناصرة لقضية الأسرى وتلك التي تتصدى لممارسات الاحتلال وإجراءاته الرامية لنهب الأرض وتوسيع الاستيطان ومواصلة بناء جدار الضم والفصل العنصري وتهويد القدس والتعدي على المقدسات، ذلك أنها تمتلك كل مقومات النهوض والتأثير وتمتلئ بالطاقات الزاخرة التي من شأنها أن تحدث تأثيراً ايجابيا في أوساط الشعب الفلسطيني نظراً للمكانة الاعتبارية المميزة التي تحظى بها في صفوف شعبنا وفي أوساط المستوى السياسي، وليس أدل على ذلك من الرسالة السياسية والوطنية التي أدتها وثيقتهم “وثيقة الوفاق الوطني” التي وفرت مناخاً إيجابياً للحوار الوطني الشامل وتشكلت على أساسها حكومة الوحدة الوطنية. ورغم كل ما حدث من انهيار للحكومة والانقسام وتداعياته السلبية فإن الوثيقة ما زالت تشكل أرضية خصبة لانطلاق الحوار الوطني الشامل مجدداً ومدخلاً حقيقياً لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة. والمتوقع من الحركة الأسيرة في هذه المرحلة التي تخوض فيها خطواتها النضالية للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات على أساس برنامج نضالي موحد، وتتصدى للاحتلال وممارساته ولمصلحة السجون وسياساتها التي تنتهك حقوق الأسرى وذويهم، وتحرم أسرى قطاع غزة من زيارة عائلاتهم، أن تستنهض قواها وتقف شامخة في الدفاع عن حقوقها وانجازاتها وتزج بكل ثقلها المعنوي والمادي عبر تجديد  وثيقتها السياسية تعزيزا للجهود الفلسطينية والعربية المبذولة من أجل انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية تزامنا مع اللحظة التي يقف فيها شعبنا في كافة أماكن تواجده وهو يحيي مناسبة يوم الأسير الفلسطيني على نحو مميز بفعاليات حاشدة ومتنوعة تكريما ووفاء وتضامنا مع الحركة الأسيرة صاحبة المصلحة الأولى في تحقيق الوحدة الوطنية لأنها أول وأكثر من يدفع ثمن هذا الانقسام الذي تستغله مصلحة السجون للاستفراد بها والانقضاض على انجازاتها وحقوقها التي انتزعتها على مدى سنوات من الكفاح الطويل والإضرابات المفتوحة عن الطعام.
إن من شأن تفعيل هذا الدور تجديد الأمل باستعادة  الحركة الأسيرة لمكانتها الطليعية في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية وتعزيز الثقة بقدرتها على استنهاض واقعها ولعب دورها المأمول على مختلف الصعد الاعتقالية والداخلية والوطنية والنضالية وقطع الطريق على كل من راهن على غيابه أو شكك عن قصد أو غير قصد بقدرتها على النهوض مجدداً لأداء رسالتها السامية في الدفاع عن كرامتها الوطنية وعن حرية شعبنا واستقلاله. سيما أن البعض قد تناسى الصراع اليومي الذي تخوضه مع مصلحة السجون، وأنها لم تتوقف لحظة عن العطاء والنضال ولم تبرم هدنة مع أحد وبقيت موضوعياً في خندق النضال الأول ضد الاحتلال وممارسات مصلحة السجون وأن مجرد وجودها في الأسر يعني أنها في مقدمة الصفوف تصارع الاحتلال دون توقف وتضحي بزهرة شبابها دفاعاً عن وجودها وانتمائها الوطني. والقول أنها لم تعد كما كانت في السابق لا يفهم منه تلك التطورات الموضوعية التي طرأت على واقعها وبنيتها بقدر ما يقصد منه الإشارة للتغير النوعي بمعناه السلبي الذي طرأ على طبيعتها وعلى درجة اهتمامها بقضاياها وبالنضال الهادف لتحسين شروط اعتقالها، وزيادة اعتمادها على الخارج في تحقيق مطالبها وفي تأمين كافة احتياجاتها. كما أن البعض البعيد عن فهم واقع الحركة الأسيرة واحتياجاتها وظروف الحرمان الرهيبة التي تعيشها لا يتوانى عن إطلاق الأحكام غير الموضوعية عليها من قبيل أنها أصبحت تنزع نحو الاستهلاك والهدوء والابتعاد عن حالة الصراع اليومي مع مصلحة السجون وأن هناك تغيرا كبيرا في طبيعة اهتماماتها.
إن هذه النظرة السطحية للأمور والبعيدة كل البعد عن الواقع المعاش وعن فهم ظروف الحركة الأسيرة وقوانين الصراع التي تحكم علاقتها بإدارات السجون من شأنها إطلاق الأحكام جزافاً على حركة سياسية مناضلة منظمة وطليعية تخوض مع الاحتلال ممثلاً بمصلحة السجون معارك يومية لا تتوقف وتدافع عن نفسها ووجودها وكرامتها الوطنية بكل ما امتلكته من قوة رغم الانقسام السياسي الخطير الذي يعاني منه شعبنا وحركته الوطنية. ورغم غياب الدور العربي الفاعل وفي ظل الصمت الدولي على ما يتعرض له الشعب الفلسطيني وأسراه من قبل احتلال يضرب بعرض الحائط كل الأعراف والمواثيق الدولية.
إن الظروف أصبحت مهيأة أكثر من أي وقت مضى لاستعادة الحركة الأسيرة لدورها الطبيعي والتاريخي الأمر الذي يتطلب منها الإسراع في ترتيب وضعها الداخلي وتصليب بنيتها التنظيمية وتفعيل برامجها الثقافية والنضالية والالتفات أكثر لجهة تحسين شروط حياتها الاعتقالية باعتبار ذلك المدخل والرافعة لاستنهاض وضعها ودورها.
إن استعادة الحركة الأسيرة  هذا الدور لا يعني استنساخ التجربة الماضية بكل تفاصيلها وأبعادها رغم ريادتها إنما يعني استعادة ذات الدور الذي لعبته على مدى عقود من الزمن وأثبتت خلاله جدارة منقطعة النظير جعلها موضع فخر واعتزاز لشعبنا ولكل أحرار العالم، حيث أن الواقع الموضوعي الذي تعيشه في الأسر وطبيعة الصراع وقوانينه الذي يحكم علاقتها بإدارات السجون لم تتغير إلا لجهة اشتداد حدة هذا الصراع بفعل السياسة الرامية إلى إضعاف نفوذ الحركة الأسيرة ودرجة تأثرها وتأثيرها في محيطها الاجتماعي والوطني والسعي المحموم للنيل من إرادتها وإلهائها بمعارك جانبية لمنعها من الالتفات والتركيز على قضاياها الرئيسية وفي المقدمة منها حريتها. غير أن استعادة هذا الدور يحتاج إلى إسناد حقيقي ومتواصل من قبل جماهير شعبنا ومؤسساته الوطنية واتحاداته الشعبية والمهنية ومن قبل ذوي الأسرى وفصائل العمل الوطني والإسلامي والسلطة الوطنية الفلسطينية بكل مكوناتها، الرئاسة والحكومة والمجلس التشريعي، حتى لا تشعر أنها وحدها في الميدان تصارع الاحتلال وسياساته وسياسات مصلحة السجون مما يتطلب بلورة إستراتيجية وطنية جوهرها يرتكز على العمل من أجل إطلاق سراح جميع الأسرى دون قيد أو شرط أو تمييز ومحورها يقوم على احترام الأسير وتقديره والاهتمام بشؤون الأسرى وذويهم وأطفالهم على مختلف الصعد المعنوية والمادية والتعليمية وهدفها تدويل قضيتهم والوصول بها إلى المحافل الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة لتحديد الوضع القانوني والسياسي لهم بصفتهم مناضلين من أجل حرية شعبهم واستقلاله وجزءا أساسيا من مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية وحريتهم شرط لأية مفاوضات ومقدمة وليس نتيجة لها بعدما علمتنا تجربة أوسلو أن انتظار نتائج المفاوضات قد أبقت 313 أسيرا اعتقلوا قبل توقيع هذه الاتفاقيات رهائن خلف قضبان سجون الاحتلال، وأن عميدهم نائل وتوأمه فخري البرغوثي دخلا عامهم الثالث والثلاثون وفؤاد الرازم وأكرم منصور دخلا عامهم الحادي والثلاثون، مما يستدعي حملة دولية واسعة النطاق لإطلاق سراح قدامى الأسرى.
كما ينبغي الإمساك بكل جزئية من ملف الأسرى وتسليط الضوء عليها لتحقيق نتائج ملموسة من شأنها تعزيز الثقة لدى الحركة الأسيرة بأنها ليست وحيدة في معركتها مع مصلحة السجون وأن شعبها معها في كل لحظة يوفر لها الإسناد وكل عناصر القوة المطلوبة لإرغام إدارات السجون ومن يقف خلفها على التفكير ملياً قبل الإقدام على أية خطوة من شأنها التطاول أو الانتقاص من أي حق من حقوق الأسرى. بهذا المعنى يجب إعطاء قضية الأسرى المرضى والمعزولين والإداريين والأطفال والأسيرات أهمية خاصة وأن تشكل وفود من أهالي الأسرى للقاء الوفود الأجنبية التي تزور فلسطين والقيام بجولات إلى دول العالم لشرح معاناة أسرانا وإقناع المجتمع الدولي بعدالة قضيتهم للضغط على الحكومة الإسرائيلية للإفراج عنهم. بذلك تتعمق الثقة وتتجلى العلاقة الجدلية في النضال بين الأسرى وشعبهم وتتكامل الأدوار وتتضافر الجهود في نصرة هذه القضية العادلة مما يجعل شعبنا أكثر التصاقا من أي وقت مضى بقضية أسراه وأكثر وعيا وجدية نحو الإمساك بدفة القيادة والنضال الجاد والدؤوب لانتزاع حريتهم جميعا دون شرط أو قيد أو تمييز.
Exit mobile version