مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية

في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب على دولة فلسطين أن تتخذ مزيداً من الإجراءات لمناهضة ومنع التعذيب

المحامي علاء البدارنة

في 26 حزيران من كل عام يحيي المجتمع الدولي اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، وبهذا اليوم يعلن مساندته لضحايا التعذيب في العالم، ويؤكد حرصه على معاقبة مرتكبي فعل التعذيب، واعادة تأهيل الضحايا وإدماجهم في المجتمع وتحقيق العدالة والانصاف لهم وجبر الضرر الواقع عليهم؛ وإذا أردنا أن نميز التعذيب كفعل عن الاعتداء الواقع على الأشخاص كجريمة ينظمها القانون الجنائي الوطني، يمكننا ذلك  بالنظر الى صفة مرتكب فعل الاعتداء، وعندما نسمي أي اعتداء بالتعذيب يجب ان يكون مقترفه موظف رسمي بهدف الحصول على معلومة أو اعتراف، فاتفاقية مناهضة التعذيب في مادتها الأولى عرفت التعذيب بأنه: “أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدي أم عقلي بغرض الحصول على معلومة أو اعتراف”  وفعل التعذيب يرتكبه أشخاص بصفتهم الوظيفية كموظفين رسميين، وتجريم فعل الاعتداء الذي يقترفه الموظفون الرسميون بحق المواطنين يتماشي مع منطق تنظيم العلاقة بين المواطن والمكلفين بانفاذ القانون.

تحيي دولة فلسطين هذه المناسبة بعد مرور عامين على انضمامها لاتفاقية مناهضة التعذيب، هذا الانضمام فرض على دولة فلسطين اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الإدارية والتشريعية والقضائية من اجل توطين الاتقافية بحيث تصبح جزءاً من القانون الوطني، إلا أن حالة الانقسام السياسي وتعطيل أعمال المجلس التشريعي، الجهة المختصة بإصدار القوانين وموائمة التشريعات حال دون اتخاذ هذه التدابير  التي من شأنها ان تشكل ضمانة لمناهضة التعذيب وسوء المعاملة ومعاقبة مرتكبي فعل التعذيب وإعادة تأهيل وإنصاف ضحايا التعذيب.

الوقوف أمام هذه الحالة القانونية الفلسطينية المعقدة والجمود الحاصل في المنظومة التشريعية، يدفعنا للتدقيق في الواقع القانوني الفلسطيني، من أجل أن نفكر بشكل جدي بمناصرة ضحايا التعذيب ومعاقبة مقترفيه، ويجب أن لا نكتفي بتشخيص المعيقات التي تجاوز عمرها العشر سنوات والوقوف عندها، بل يجب العمل فوراً من أجل الاستمرار في مناهضة وتحريم التعذيب فلسطينياً، لذا:- لا بد من اتخاذ خطوات جدية ضمن الآليات الإدراية والقانونية والتشريعية المتاحة، سواء تلك التي توفرها اتفاقية مناهضة التعذيب و بروتوكولها الاختياري، اواستخدام صلاحيات الرئيس التشريعية في حالة الضرورة بهدف مواءمة القانون الوطني مع اتفاقية مناهضة التعذيب الأمر الذي يعتبر خطوة جدية من شأنها منع التعذيب وسوء المعاملة ومعاقبة مقترفيه، ويمكن تلخيص هذه الوسائل المتاحه على النحو التالي :-

اولاً: تعلن دولة فلسطين بأنها تعترف باختصاص لجنة مناهضة التعذيب بموجب المادة 21 من الاتفاقية في تسلم البلاغات التي تفيد أن دولة طرفاً في الاتفاقية تدعي أن دولة أخرى طرف في الاتفاقية لا تفي بالتزاماتها بموجب الاتفاقية.

ثانياً: تعلن دولة فلسطين بأنها تعترف باختصاص لجنة مناهضة التعذيب بمقتضى المادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب، في تسلم ودراسة بلاغات واردة من أفراد أو بالنيابة عن أفراد يخضعون لولايتها القانونية ويدعون في هذه البلاغات أنهم ضحايا لانتهاك دولة طرف في أحكام الاتفاقية.

ثالثاً: يجب على دولة فلسطين أن تنضم إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب الذي يفتح المجال لتأسيس آليات وقائية وطنية لزيارة أماكن الاحتجاز التي تمكن من مقابلة المحرومين من حريتهم بشكل منتظم وفجائي، الأمر الذي يشكل ضمانة لمنع التعذيب وعدم الاكتفاء بمناهضته، ويتجلى هذا الأمر بموافقة الحكومة على تشكيل الفريق الوطني لزيارة أماكن الاحتجاز، كذلك يفتح الانضمام إلى البروتوكول الاختياري المجال أمام آليات الوقاية الدولية للتدخل وزيارة أماكن الاحتجاز على المستوى الوطني، وتحقيق اللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب بأي ادعاء بوجود تعذيب داخل أماكن الاحتجاز للدولة المنضمة للاتفاقية.

رابعاً: أن تعمل دولة فلسطين على إنشاء نظام موحد للنظر في الشكاوي تكون مهمته العمل على تلقي شكاوي التعذيب والتدقيق فيها، ويتجسد ذلك بتشكيل لجنة وطنية للنظر بالشكاوي والبلاغات وهذه اللجنة تتكون من ممثلين عن الرئاسة والحكومة والأجهزة الأمنية والشرطية والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ومجلس منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات حقوق الإنسان العاملة في هذا المجال.

خامساً: إصدار قانون عقوبات فلسطيني يتضمن نص المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تحدد أركان جريمة التعذيب وشروطها، وأن يتضمن القانون تكييف العقوبة ومدتها، الأمر الذي يفتح المجال لضحايا التعذيب برفع قضايا جزائية أمام المحاكم الفلسطينية ضد مرتكبي فعل التعذيب من أجل إدانتهم ومعاقبتهم، وكذلك يكون بمقدور ضحايا التعذيب المطالبة بالتعويض المدني من المدانين  بعد الحكم عليهم من قبل المحكمة الجزائية، والجدير بالذكر أن الدولة بكافة الأحوال تتحمل مسؤولية تعويض الضحايا وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية.

أخيراً يتطلع الشعب الفلسطيني بمناسبة إحياء اليوم العالمي لمناهضة التعذيب إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضيه، هذا الشعب الذي كان ومازال ضحية التنكيل والتعذيب على مدار سنوات الاحتلال، ويتطلع أيضاً إلى الاعلان أن دولة فلسطين خالية من التعذيب وسوء المعاملة، وأن تكون مهمة الحفاظ على الكرامة الإنسانية للإنسان الفلسطيني على رأس أولويات عمل القيادة السياسية، وهذه المهمة ليست مجرد شعار ولا حلم بل هدف يمكن تحقيقه.

Exit mobile version