مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية

الأوضاع الصحية في السجون الإسرائيلية تنتهك أحكام القانون الدولي

بقلم حلمي الأعرج
 الأوضاع الصحية التي يعيشها الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي لا تعبر عن أدنى احترام من قبل مصلحة السجون الإسرائيلية لحقوق الإنسان ولا تعكس أدنى التزام بالقانون الدولي بل تشكل إنتهاكا صارخا لما تضمنته احكامه من تأكيدات على ضرورة  توفير ظروف اعتقال لائقة ورعاية صحية مناسبة.
ويستدل على ذلك من سلسلة الإجراءات المتبعة من قبل مصلحة السجون تجاه الأسرى والنابعة من  سياسة مدروسة وممنهجة تهدف إلى النيل من إرادة الأسرى وإضعاف عزيمتهم ومعنوياتهم. فالاكتظاظ وسوء التهوية وقلة التعرض للشمس ومحدودية وقت الفسحة وسوء التغذية وتعريض الأسرى للإشعاعات وقلة مواد التنظيف وعدم إجراء الفحوصات الطبية الدورية والضغط النفسي والجسدي والقهر والكبت والتنكيل وتعريضهم للضرب والتفتيش العاري والإمعان في العزل والرش بالغاز الخانق والحرمان من زيارات الأهل كلها عوامل تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الصحية للأسرى وتزيد من احتمالات إصابتهم بأمراض مختلفة بالإمكان تلافيها لو توفرت لهم الظروف الصحية والاعتقالية الملائمة.
كذلك سياسة الإهمال الطبي التي أدت إلى وفاة 57 أسيراً وإلى وفاة العشرات من الأسرى بعد الإفراج عنهم على خلفية الأمراض التي عانوا منها وهم في الأسر كان آخرهم وليد شعث الذي أمضى ثمانية عشر عاماً في الأسر وتوفي بعد ستة أشهر من الإفراج عنه، وسيطان الولي الذي أمضى 23 عاماً في الأسر وتوفي بعد أقل من ثلاث سنوات من الإفراج عنه.
الأمر الذي يؤكد بوضوح مدى استهتار مصلحة السجون الإسرائيلية بحقوق الأسير الفلسطيني وإمعانها في انتهاك القانون الدولي الإنساني وتصميمها على المضي في حرمان الأسرى المرضى من الحقوق التي منحتها لهم الصكوك الدولية خاصة القواعد النموذجية لمعاملة السجناء لعام 1957 الصادرة عن الامم المتحدة، حيث نصت المادتين 22 و 25 منها على ضرورة توفير طبيب على الأقل مؤهل لكل سجن ويكون على معرفة معقولة بالطب النفسي وأن يكون مكلفاً بمقابلة يومية لجميع السجناء المرضى. فيما أكدت المادة 30 من اتفاقية جنيف الثالثة بشأن أسرى الحرب لعام 1949 الحاجة لتوفير عيادة طبية في كل مركز احتجاز وعنابر لعزل المصابين بأمراض معدية أو عقلية، وضرورة نقل الأسرى المصابين بأمراض خطيرة أو الذين يحتاجون عمليات جراحية أو رعاية بالمشفى إلى وحدة طبية عسكرية أو مدنية لتلقي العلاج المناسب وكذلك المادة 3 من اتفاقية جنيف الثالثة التي تنص على أن العلاج يشمل الأسنان والتركيبات الاصطناعية والنظارات على ان تكون تكلفتها على عاتق الدولة الحاجزة.
وبخصوص المتطلبات الصحية والوصول إلى الأطباء فقد أشارت اتفاقية جنيف الرابعة (المادة 85) واتفاقية جنيف الثالثة (المادة 29) والقواعد النموذجية الدنيا (المادة 26) إلى أهمية توفير مرافق صحية تستوفى فيها الشروط الصحية وتراعى فيها النظافة الدائمة، كما تحظر اتفاقية جنيف الثالثة (المادة 30) منع الأسرى من عرض أنفسهم على الأطباء والحصول على تقرير طبي يبين طبيعة الأمراض والإصابة ومدة ونوع العلاج، وتفضل نفس المادة أن يعالج الأسرى أطباء من جنسيتهم أو يتبعون للدولة التي يتبع لها الأسرى.
غير أن سياسة مصلحة السجون المطبقة على الأسرى لا تراعي  هذه الاحكام القانونية ولا توفر الحد الأدنى من شروط وظروف الاعتقال الملائمة والإنسانية التي من شأن توفرها أن يحد من انتشار الأمراض، وليس أدل على ذلك من مواصفات العيادات القائمة في السجون التي تفتقر لأطباء مختصين ولأدوات وأجهزة طبية تعالج الأسرى المرضى في حالات الضرورة قبل نقلهم إلى المستشفى. كما أن مستشفى سجن الرملة، وهو المستشفى الوحيد المخصص لإقامة الأسرى المرضى من ذوي الحالات المرضية المستعصية أيضا لا تتوفر فيه مواصفات المستشفى المتعارف عليها، إذ يفتقر لكل المقومات الصحية وللأجهزة الطبية المساعدة ويتعرض فيه الأسرى للمضايقات والاقتحامات والتفتيشات الليلية مما يدفع الأسرى المرضى البقاء في سجونهم على الانتقال لإجراء الفحوصات الطبية أو الإقامة فيه لأنه يفاقم الوضع الصحي للأسرى بدلاً من علاجهم. كما لا يتوفر فيه أطباء مختصين إضافة إلى المماطلة والتسويف في إجراء العمليات الجراحية اللازمة كذلك فإن رحلة العذاب التي يقضيها الأسرى المرضى أثناء نقلهم في البوسطة التي تزيد من معاناتهم ولا تراعي خصوصية ظروفهم وحالاتهم المرضية.
وجراء هذه السياسة التي تنتهجها مصلحة السجون بتوجيهات وقرارات من المستوى السياسي في إسرائيل تنتهك حقوق الأسرى وحقوق المرضى منهم على وجه الخصوص على نحو مخالف وصارخ لقواعد وأحكام القانون الدولي الذي كفل للأسرى المرضى حق الرعاية والعناية الطبية المطلوبة.
الأمر الذي يفسر الزيادة الملحوظة في عدد الأسرى المرضى وتسارع وتيرة تردي الوضع الصحي للحالات المرضية المستعصية التي يتهددها خطر الموت، إلى أن أصبح ملف الأسرى المرضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي يقلق مجتمع الأسرى بكامله ويحتل مكان الصدارة في الأولويات النضالية لهم ولذويهم ولكل مكونات المجتمع الفلسطيني خاصة وزارة شؤون الأسرى والمؤسسات الحقوقية العاملة في هذا المجال.
وقد بلغ عدد الأسرى والأسيرات المرضى ما يزيد عن 800 أسير بينهم أكثر من 160 حالة مستعصية منها 25 حالة مصابة بالسرطان، و45 أسيرا معاقا ومصابا بالشلل الكامل أو النصفي، و35 أسيراً يعانون من أمراض نفسية وعصبية. بينهم حالات شديدة الخطورة أبرزها خالد الشاويش، معتصم رداد، أشرف أبو ذريع، ناهض الأقرع، محمد مصطفى أبو لبده، علاء حسونه، زهران أبو عصبة، سليمان عابدين، عبد السلام بني عوده، أكرم منصور، أمل جمعه، جهاد أبو هنيه، جمال أبو الهيجا، رائد درابيه، منصور موقده، أحمد حامد (النجار) وغيرهم.
إن هؤلاء الأسرى الذين يعيشون لحظات الألم اليومي ويعانون سكرات الموت، يصرخون ويناشدون المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان في العالم كي ينتصروا لقضيتهم ويفعلوا شيئاً من أجلهم، ورغم الأهمية الاستثنائية لقرار منظمة الصحة العالمية الصادر في 20 أيار 2010 الذي سلط الضوء على قضية الأسرى المرضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي ومعاناتهم اليومية وطالب بتشكيل لجنة تقصي حقائق مع الصليب الأحمر الدولي والإطلاع عن كثب على أوضاع الأسرى المرضى ومطالبته الحكومة الإسرائيلية تقديم العلاج اللازم لهم والإفراج عن الحالات المستعصية، إلا أن هذا القرار لم يجد هو الأخر طريقه للتنفيذ الأمر الذي يحتاج إلى تضافر الجهود وتكاملها بين المؤسسات الفلسطينية للقيام بحملة دولية للضغط على الحكومة الإسرائيلية للالتزام بحيثيات القرار وتنفيذ ما جاء به كخطوة في غاية الضرورة لإنقاذ حياة الأسرى المرضى من ذوي الحالات الصعبة إذ بدون هذا الجهد الجماعي والمتواصل ستستمر معاناة الأسرى المرضى وستقتصر مهمتنا الوطنية والحقوقية على عمليات التشخيص والشجب والإدانة في وقت نحن نمتلك فيه العديد من الأدوات والآليات التي من شأنها إحراج الحكومة الإسرائيلية أمام الرأي العام العالمي لإرغامها على التعامل مع هذا الملف وفق أحكام القانون الدولي، مما يستدعي تفعيل دور اللجنة الوطنية التي تشكلت مؤخرا من المؤسسات الحقوقية والطبية الأهلية والرسمية لمساندة الأسرى المرضى وتسليحها بخطة وطنية ملموسة والقيام بحملة وطنية ودولية من أجل:-
1.     الإفراج عن الحالات المرضية الحرجة قبل فوات الأوان وتحميل سلطات الاحتلال المسؤولية عن حياتهم.
2.  ملاحقة الجهات الإسرائيلية المختصة والمسئولة عن وفاة الأسرى المرضى وسياسة الإهمال الطبي وعن حياة أولئك الذين ترفض هذه الجهات الإفراج عنهم رغم تردي وضعهم الصحي ومعرفتها اليقينية بالخطورة الفائقة لحالتهم.
3.     الضغط لتمكين منظمة الصحة العالمية من تنفيذ قرارها بشأن تحسين الظروف الصحية والمعيشية للأسرى والمعتقلين، وتشكيل لجنة تقصي حقائق لهذا الغرض وزيارة السجون الإسرائيلية.
4.     تمكين لجان طبية متخصصة من مقابلة الأسرى المرضى لتقديم العلاج المناسب.
5.     فتح أبواب السجون أمام الوفود والمؤسسات الدولية للاطلاع على الظروف الاعتقالية والأوضاع الصحية.
6.     توفير ظروف اعتقالية منسجمة والمعايير الدولية ذات العلاقة.
7.     توفير العلاج المناسب للأسرى المرضى للتخفيف من معاناتهم.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الجهد الوطني الجماعي المتميز الذي بذل للإفراج عن الأسيرين ياسر الرجوب وزكريا عيسى المصابين بمرض السرطان والذي تكلل بالنجاح بفعل الحملات الإعلامية والمتابعة القانونية والضغط الذي مورس من قبل المؤسسات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية على مصلحة السجون والحكومة الإسرائيلية وتحميلها المسؤولية عن حياة الأسيرين الرجوب وعيسى إذا لم يتم الإفراج عنهما فورا.
وينبغي زيادة التركيز على قضية الأسرى المرضى نظرا لخصوصيتها وخطورتها وإلحاحيتها في ظل المعانة اليومية التي يعيشونها بسبب سياسة الإهمال الطبي الممارسة بحقهم والتي تنتهك بشكل فظ ومتعمد كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية التي كفلت لهم الرعاية الطبية اللازمة ونصت على ضرورة إطلاق سراح الحالات المرضية المزمنة وفق ما نصت عليه المواد ( 109، 110، 112، 113 ) من اتفاقية جنيف الثالثة والملحقين الأول والثاني من اتفاقية جنيف الثالثة وهو الأمر الذي ينطبق على عشرات الأسرى المرضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
إن العمل وفق أحكام القانون الدولي لإنقاذ حياة الأسرى المرضى خاصة الحالات الصعبة وتوفير العلاج الملائم للآخرين منهم من شأنه أن يضع هذه القضية الهامة والحساسة في مكانها الصحيح على الصعد المحلية والإقليمية والدولية وأن يحث مختلف المؤسسات الحقوقية للضغط على الحكومة الإسرائيلية للاستجابة لأحكام القانون الدولي.
إن سلطات الاحتلال التي لا تتوقف عن خرق أحكام القانون الدولي فيما يتعلق بضرورة توفير العلاج المناسب للأسرى المرضى لا تتوانى عن خرق القانون الإسرائيلي بهذا الشأن، مثال ذلك الوضع المزري لواقع مستشفى سجن الرملة من كافة الجوانب وأيضاً عدم الالتزام بعرض الأسرى لفحصهم خلال 24 ساعة من لحظة اعتقالهم، وعدم عرضهم على طبيب مختص خلال 48 ساعة من وصولهم إلى مراكز الاعتقال كما حصل مع الأسير الصحفي سامر علاوي مدير مكتب الجزيرة في أفغانستان الذي لم يعرضعلى طبيب لفحصه رغم مرور ثلاثة عشر يوما على اعتقاله ولم يسمح لطبيب مستقل بزيارته، علما أنه يعاني من أوضاع صحية مزمنة ولم يتم تزويده بالدواء الخاص به بعد نفاذ الدواء الذي بحوزته على نحو مخالف للقانون الإسرائيلي الخاص بحقوق المرضى وأنظمة مصلحة السجون الإسرائيلية المعمول بها التي تعطي الحق في الحصول على علاج صحي ملائم والاعتقال في ظروف لا تؤذي صحة المعتقل وفي عرضه على طبيب مستقل.
Exit mobile version