1

“حريات”:  انتهاك المستوطنين لحرية الحركة والتنقل يعرّض حياة المواطنين للخطر  ويمس حقوقهم الأساسية

في ضوء استمرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتداءاتها على المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وبخاصة انتهاك حقهم في حرية الحركة والتنقل وحقهم في الحياة والسلامة الجسدية، فإن مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية “حريات” يدين بشدة ما يقوم به المستوطنون وجيش الاحتلال من أفعال ترتقي إلى جرائم حرب، حيث شهدت الضفة الغربية منذ بداية العام تزايد كبير في عمليات القتل والتنكيل والتعذيب.

ومع تكثيف المستوطنين للانتهاكات التي يرتكبونها في الضفة الغربية مستغلين انشغال العالم بالعدوان الحربي على قطاع غزة، أصبحت الطرق الخارجية والمناطق المحاذية والقريبة من المستوطنات عبارة عن مصائد للفلسطينيين والتنكيل بهم.

وقد مسّت هذه الانتهاكات التي يرتكبها المستوطنون بحماية جيش الاحتلال بشكل كبير الحق في حرية الحركة والتنقل للمواطنين الفلسطينيين، فمنذ السابع من أكتوبر الماضي فرضت دولة الاحتلال قيوداً مشددة على حرية الحركة والتنقل من وإلى الضفة الغربية، التي عزلتها بشكل كامل عن مناطق عام 1948، وعن القدس الشرقية، وفي بعض الأحيان أغلقت معبر الكرامة وقلصت من ساعات العمل فيه، ومنعت تنقل الفلسطينيين بشكل كامل، وفرضت حظراً للتجول على سكان المنطقة المسماة (H2) في مدينة الخليل كعقاب جماعي للمواطنين، ونصبت مئات من الحواجز العسكرية الدائمة والطيارة بهدف عزل وفصل المدن والقرى والمخيمات في الضفة الغربية بعضها عن بعض، وفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وتحويلها إلى جزر سكانية معزولة “كنتونات”، بهدف حماية المستوطنين وتسهيل حركتهم على الطرق الرئيسية.

وفي ذات السياق تم تهجير التجمعات السكانية البدوية والرعوية نحو المناطق المصنفة “أ”، ومنعت المزارعين من الوصول إلى أراضيهم وحقولهم الزراعية، حيث خسر المواطنون أكثر من (50%) من موسم الزيتون لهذا العام، ففي بعض المناطق، كقرية كفر قدوم لم يتمكن المواطنين من جني ثمار الزيتون عن قرابة (10,000) شجرة، وفي مناطق أخرى لم يتمكن المواطنون، بشكل كامل، من الوصول  إلى حقول الزيتون المحاذية للمستوطنات أو التي تقع خلف جدار الضم والفصل العنصري.

من خلال هذه السياسات تعمل دولة الاحتلال على خلق واقع ديمغرافي وجغرافي جديد لصالح المستوطنين، يهدف إلى فرض التهجير القسري على الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم، في انتهاك واضح لقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2334) والذي ينص على أن المستوطنات الإسرائيلية تشكل “انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي”، وأنه يجب على جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، “أن تتوقف على الفور وبشكل كامل”.

وتُمعن دولة الاحتلال في قتل الفلسطينيين، فمنذ بداية هذا العام وحتى تاريخه وصل عدد الشهداء في الضفة الغربية قرابة (464) شهيد/ة، منهم (256) بعد 7/ أكتوبر وآخرهم الشهيد أحمد عاصي الذي استشهد برصاص المستوطنين بتاريخ 2/12/2023 في قراوة بني حسان. وكثّف جيش الاحتلال اقتحاماته اليومية للقرى والمدن والمخيمات وصعّد من حملات الاعتقال القمعية التي طالت أكثر من 3500 مواطناً تعرضوا للتنكيل والتعذيب أثناء الاعتقال وداخل السجون، كما تعمل دولة الاحتلال على فرض نظام الفصل العنصري، وأحد أهم أدواتها لتحقيق ذلك هي المستوطنون، فقامت بتسليحهم بشكل كبير ودون قيود، على مرأى ومسمع العالم ومنحتهم صلاحيات كاملة لإطلاق النار على المواطنين، مع تأمين الحماية والدعم لهم في الجرائم التي يرتكبونها بحق السكان المدنيين وممتلكاتهم، في محاولة منهم لتدمير حياة الفلسطينيين من كافة النواحي، من خلال اخضاعهم عمداً لظروف معيشية لا إنسانية تنتهك حقوقهم، وتشكل جملة هذه الأفعال جرائم تصل إلى حد التهجير القسري، مما يستوجب البدء، دون إبطاء، بتحقيق جنائي دولي حول قيام المسؤولين في “إسرائيل” بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

إن انتهاك وتقييد الحق في حرية الحركة والتنقل له تأثير سلبي واسع وكبير على الحقوق الأخرى للمواطنين وفي مقدمتها الحق في الحياة، الحق في الرعاية الصحية، الحق في التعليم، الحق في العمل، والتواصل الاجتماعي، والعيش بكرامة، كما تؤثر اعتداءات المستوطنين على المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم وقطع الطرق عليهم في تكبيد الاقتصاد الفلسطيني خسائر كبيرة، حيث اضطرت العديد من المنشآت الاقتصادية إلى الاغلاق الكامل أو الجزئي وما تبع هذا من فقدان المئات لمصادر رزقهم. وتعتبر بلدة حوارة نموذجاً ساطعاً لهذه الانتهاكات.

وفي ذات السياق فإن هدف جيش الاحتلال والمستوطنين يتمثل في تهجير الفلسطينيين من وطنهم، وتكريس عملية الضم بشكل فعلي، وهذا هو هدف الاحتلال المعلن في برنامج الحكومة الإسرائيلية، التي فوضت رئيس حزب الصهيونية الدينية ووزير المالية، صلاحيات تخوله تسهيل إجراءات عمليات الاستيطان وتسريعها، في الضفة الغربية.

إن استمرار هذه الأفعال من قبل المستوطنين وجيش الاحتلال والتي ازدادت وتيرتها بعد السابع من اكتوبر الماضي من شأنه أن يفاقم الأوضاع سوءاً، وينذر بانفجار واسع في الضفه الغربية، وعليه فإن مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية “حريات” يطالب المجتمع الدولي والدول التي أدانت جرائم المستوطنين بضرورة التدخل لوقف هذه الانتهاكات وعدم الإكتفاء بالشجب بل وتحميل القوة القائمة بالاحتلال المسؤولية الكاملة عن أفعالها وأفعال المستوطنين التي ترتقي إلى جرائم حرب، مما يستوجب البدء فوراً بتحقيق جنائي دولي حول قيام المسؤولين في دولة الاحتلال بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية واتخاذ خطوات ملموسة بهذا الشأن للتصدي لسياسة الاستيطان ووقف هذه الاعتداءات نهائياً.